خالد العضاض

الحكومة السعودية لا تعرف التثاؤب، ولا التباطؤ، فقد بدأ العمل لتحقيق الرؤية فورا، فعززت وضع المرأة السعودية بحزمة قرارات

أكتب لكم بداية هذا المقال وأنا أنتظر رحلتي في صالة المطار، وربما أكملت بقيته في الفندق، بعيدا عن أوراقي وكتبي، وبعيدا عن «علياء» العضو الجديد في أسرتي، والتي ينتظرها مستقبل مشرق كإشراقة وجه أمي وزوجتي، وكإشراقة شمس أوثال الصافية.
كنت قد زورت في نفسي أفكارا تحت عنوان «كرهٌ على كرهٍ» أحكي فيه بعضا من معاناة زوجتي شيرين -حفظها الله- والنساء جميعا مع الحمل والوضع، وكيف أنهن أمَّن الخلق على البشرية، ولكني عدلت عن ذلك لوقت آخر، لأبث لكم بعض الخواطر التي تصب في سبيل فك قيود العرف والعادة وقيود الذكورية المستحكمة عن المرأة السعودية، والتي دشّن الرجل المستقبل الأمير محمد بن سلمان عصر التحرر منها وكسرها، لتعود المرأة السعودية من جديد إلى وضعها المفترض عقلا وشرعا.
وفي هذا الصدد، أنثر بين أيديكم بعض الخواطر المبعثرة، والأفكار حول هذه القضية المحورية في حياة السعوديين:

(1)
في ظني، أن زمن طرح قضايا المرأة في السعودية، كملف شائك، كثير الإثارة على وشك الانتهاء، إذ لبث هذا الملف -ولعقود طويلة- على رأس قائمة الأعقد والأنكد بين الملفات الفكرية والاجتماعية والشرعية في المشهد السعودي، ولا أظن أن النقلة النوعية الحقيقية التي تتماشى مع الرؤية الحلم 2030، في وضع المرأة ستكون إلا بعد إغلاق مسألة الولاية الشرعية التي لا تحمل أي مستند شرعي في الأساس، وما زال الخائضون في هذه المعمعة من خندق الممانعة، يقيسون الأمر على سوء الظن والشك والريبة بالمرأة التي يحتمل أن تهوى وتعشق وتذهب إلى عشيقها متى شاءت وكيف شاءت، ولا يردعها رادع أو وليٌ حاكم، من وجهة نظرهم المنغلقة وكأن القوم لا يثقون في عقود ممتدة من ضجيجهم، كانوا يسمونها تربية المجتمع على الفضيلة، وما هي في حقيقتها إلا نوع مقيت من ممارسة التسلط والكبت ومصادرة الحريات للرجال والنساء معا، وفي هذا دلالة قاطعة على أن صحوتهم قشرية المنهج والسيرة والمسيرة، بعيدة كل البعد عن النهج الرباني، ملتصقة حد التمازج مع النفعية والمصلحية والأنانية، إذ لم تكن الصحوة يوما فيما يتعلق بأمر المرأة صلبة العود تستصحب قوة المنهج الرباني، ولا وضوح النهج البرهاني، فلا هي استطاعت الوصول بالمجتمع إلى مجتمع الفضيلة -المستحيل- الذي ينفي الرذيلة 
-المتوهمة- تلقائيا، ولا هي التي خلقت للمرأة قيمتها وحفظت لها قدرها ومكانتها.

(2)
للراحل الملك عبدالله -طيب الله ثراه- كلمتان من ذهب، متيقنٌ أنهما صدرا من قلب وعقل متنورين، أولهما: كانت في حق الرجل المستقبل الأمير محمد بن سلمان، وكانت دعوة وأمنية، نشهد الآن كثيرا من نتائجها واقعا ملموسا يرى بالعين المجردة، ويرى بالبصيرة السوية المحبة لوطنها، ومجتمعها، وكل ما هو سعودي. 
والثانية: حينما كان يحكي معاناته مع وجع عرق النسا، لزواره ومهنئيه بعيد الأضحى المبارك عام 1431، فصاغ جملة تشرَّبت جمال الكون كله، إذ جاءت عفو الخاطر وكما لو كان القلب يتحدث قبل اللسان «النساء ما أشوف منهم إلا كل خير»، وكأنه يستنكر تسمية هذا المرض المزعج بمسمى قريب من كلمة النساء بالمبنى، وإن اختلف المعنى.
تهدف رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي صنعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى زيادة مشاركة النساء في قطاع العمل بنسبة تراوح بين 22 و30%، بحلول 2030، وبما أن الحكومة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشرفين وولي عهده الأمين لا تعرف التثاؤب، ولا التباطؤ، فقد بدأ العمل لتحقيق الرؤية فورا، فعززت وضع المرأة السعودية بحزمة قرارات، تندرج ضمن سياسات جديدة للسعودية يقودها ولي العهد الذي وعد بالعودة إلى «إسلام وسطي معتدل منفتح على العالم وعلى جميع الأديان»، وهو من أثبتت الأيام والمواقف أنه إذا قال فعل، وهذا ما يظهر الرغبة الأكيدة العازمة والجازمة على تطوير جذري للاقتصاد، وما يلحق به من تغيرات وانعكاسات حادة وجذرية على المستوى السياسي والثقافي والمجتمعي، بعضها جاء على شكل «صدمة» ليعي المجتمع ببصيرة أين هو الآن؟ وفي أي موضع يقف؟ وأين يجب أن يكون مستقبلا؟ وما موضع قدميه في ذات المستقبل؟ لكن مع كل الزخم الذي تُظهره قرارات خادم الحرمين الشريفين، ما تزال المرأة السعودية في انتظار كثير من الحقوق التي لا ترتبط أساسا بجدل المساواة بينها وبين الرجل، بل بحقها كإنسانة أولا، إذ إن نظام ولاية الرجل على المرأة، يحتم على المرأة أخذ تصريح من ولي أمرها إذا أرادت فعل أي شيء، وفي هذا تعطيل كبير لنصف المجتمع، وتعطيل لحركة قوة اقتصادية لا يستهان بها، وتقهقر واضح لعملية التحضر والرقي في البلد.

(4)
في مايو2017، وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -أيده الله- بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. 
جاء ذلك، في تعميم من المقام السامي على جميع الجهات الحكومية المعنية، بعد الموافقة على المقترحات التي رفعتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء لحل الإشكالات فيما يتعلق بحقوق المرأة.
وأكد التوجيه السامي على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها، ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء، أو الحصول على أي خدمة، مع إيضاح أساسها النظامي والرفع عنها في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر.
انتهت المهلة التي حددها الأمر السامي للجهات الحكومية لمراجعة أنظمتها، فيما يتعلق بموافقة ولي الأمر على الإجراءات التي تقوم بها المرأة من فترة طويلة نوعا ما، وهذا يعني أن أمرا محوريا يطبخ على نار هادئة في مطبخ القرار السعودي، سينتصر للمرأة السعودية، ويحول المجتمع السعودي من مجتمع ذكوري بامتياز إلى مجتمع مسلم، طبيعي يعيش حياته بعيدا عن كل الأزمات النفسية والعقد المرضية التي عشنا في كنفها عقود زمن الصحوة، والتي آذنت بالسبات الذي لا نهضة لها منه بحول الله، كما أنني أجزم حينها أنه يمكن للمرأة السعودية أن تتوقف عن «العد» في انتظار إسقاط أكبر قيد وهمي على المرأة السعودية.
أخيرا، اقرؤوا المدونة العظمى لعبدالحليم أبو شقة «تحرير المرأة في عصر الرسالة».