علي سعد الموسى

كم هي آلاف الأبحاث والمقالات التي تناولت في كل أصقاع الدنيا وبكل اللغات مصطلح وظيفة المثقف. لكنها قلة تلك التي تناولت ما أسماه المفكر والشاعر العربي، أدونيس، بالمثقف الموظف. استعارت كتائب اليسار الاشتراكي العربي مصطلح المثقف الموظف منتصف القرن الماضي واستخدمته بعنف، وهي تصف كل من لا يهرول في طابورها بأنهم مثقفون أجراء لدى السلطات الرجعية، قبل أن تبرهن رحلة الزمن أن مثقفي اليسار العربي كانوا أرخص عمالة في يد أكثر السلطات العربية قمعاً وديكتاتورية. وعادة ما ارتبطت كل آليات وأدوات تحليل وظيفة المثقف بمعيار مدى قربه أو ابتعاده عن هياكل السلطة. لكن هذه المتلازمة لوحدها، وإن كانت صحيحة، لن تشرح كل أركان الاستقلال أو التبعية لدى المثقف. وبكل مكاشفة سأقول إن المثقف له وظيفة واحدة ولكنه في المقابل موظف متعدد المناصب.

كيف؟ أخطر هؤلاء هو المثقف الموظف مع نفسه ودائرة مصالحه وشبكة علاقاته المختلفة. سأعترف لكم بما يغيظ إخوتي الكتاب أننا نسكت عن نقطة حبر واحدة إذا ما كانت القصة تتقاطع مع ولو نزر من مصالحنا الشخصية، أو قد يصل تأثيرها سالباً على شخصية أو كيان من دائرة علاقاتنا المختلفة. والكارثة هنا أن الكاتب مطلوب ومرغوب ومن السهولة جداً أن يدخل تحت إغراء العلاقات العامة. من أخطر مناصب المثقف الموظف ليس إلا الانتماء التبعي للمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها. هنا تسيطر عليه وتتملكه روح النقابة وهي أشد أصناف الشلل المعرفي التي تجعل من المثقف عقلاً محتلاً يمارس الدفاع عن قضايا مدرسته بكل الديكتاتورية. وللأسف الشديد فإن المثقفين الموظفين لدى مدارسهم الفكرية هم الشريحة الأوسع انتشاراً في كل المجتمعات، ولكن ما هو أخطر من هذه الحقيقة أن هؤلاء يصبحون أكثر قمعاً وفتكاً في المجتمعات التي لا زالت تبني نقاباتها الفكرية والمدرسية، مثلما هو حالنا العربي بالضبط. نحن مع هؤلاء اليوم نعيش أشرس حروبنا الأهلية الفكرية.