سمير عطا الله

 كان محمد الماغوط يقول: «إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في إيطاليا يجب أن تعرف ماذا يجري في البرازيل». ويقصد بذلك الدول التي لا تمتلك قرارها كلياً. منذ مارس (آذار) الماضي إلى اليوم، حدث ما غيَّر تاريخ العالم. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وصف المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما ذلك بأنه نهاية التاريخ. وبعد لقاء زعيمي كوريا الجنوبية والشمالية وصف الشماليون ذلك بأنه بداية التاريخ.

ومن وجهة نظرهم، هذا صحيح. يجب أن نعرف ماذا حدث في بكين الشهر الماضي عندما قام كيم جونغ - أون بزيارتها سراً مع زوجته، ولم يعلن عن الزيارة إلا بعد عودته. أي بعد أن أقنعت البرازيل إيطاليا بأن العالم لم يعد يحتمل لعبة الصواريخ الهابطة في مياه اليابان، والمهددة بعبور القارة إلى الولايات المتحدة. قالت له بكين، يا عزيزنا كيم، أنت تصر على العيش في عالم جدك المبجل كيم إيل سونغ، وعالم جدك قد انتهى. وأنت تصفف شعرك على طريقة ماو تسي تونغ، وعالم ماو قد انتهى. وأنت تعتقد أننا نفرح بأن تزعج الغرب، وهذا انتهى.
قبل شهر كانَ كيم جونغ - أون يلتقط كل يوم «سيلفي» مع صاروخ جديد، ويهدد بقنبلة نووية، ويضع قواته في حال التأهب القصوى. وبعد شهر استبدل بالضحكة المنتفخة ابتسامة رجال الدول، والتقى عدوه الأول، وتصرف مثل أي زعيم دولة طبيعية.
من دون دعم الصين لا تستطيع كوريا الشمالية الصمود طويلاً في عزلتها المدججة بالصواريخ والمحتاجة إلى الأرز. ولم يعد في إمكان النموذج الكوري الصدئ والمتخلف والقائم على المخابرات والهوائيات اللفظية، أن يستمر وهو محاط بأكثر التجارب حيوية ونجاحاً في التاريخ: الصين وكوريا الجنوبية. بدل أن ينفجر الوضع مرة واحدة، ويتحول إلى حالة كارثية في الصين وسيول معاً، سوف ترعى الجارتان عملية التغيير الهادئ في كوريا الشمالية. دفعت ألمانيا الغربية نصف تريليون دولار كلفة عودة ألمانيا الشرقية لكي لا تغرق بتدفق الشرقيين عليها. إذا حدث انفجار مفاجئ في شمال شبه الجزيرة الكورية سوف يكون المشهد مثل يوم الحشر عند جارتيها.
لا شيء نهائي بعد. لكن التغير في بيونغ يانغ يبدو أكثر جدية من أي وقت مضى. وقد حل التبريك محل الهزء في التبادل بين ترمب وأون. وبدا أن في القاموس كلمات غير نابية يستطيع رؤساء الدول استخدامها بدل تعابير الأطفال وتوترهم.