علي سعد الموسى

كان سؤال صاحبي ونحن نتابع حفل تدشين أكبر مدينة ترفيه بالمنطقة العربية مساء ما قبل البارحة: هل يتناسب اختيار المكان في القدية تحديداً مع ظروف المناخ الساخنة معظم أشهر السنة؟ أجبته فوراً: لو أننا استسلمنا لمتلازمة الطقس والمناخ لما بنينا في الأصل عشرات المدن الموغلة في الحداثة والعصرنة.

لو أننا، ومرة أخرى، خضعنا لظروف المناخ القاسية لما بنينا على سبيل المثال، حقل الشيبة النفطي في قلب الربع الجاف، حيث تصل ذروة الحرارة إلى فوق الخمسين، قلت له مازحاً: وكما أننا أكبر شعب على وجه الأرض يشرب من ماء البحر المحلى، فنحن أيضاً أكثر الشعوب التي تعيش معظم العام تحت أجهزة التكييف الباردة. الأمم الحية هي من تجعل من المناخ قصة ثانوية، بنى الأميركان مدينة «لاس فيجاس» في قلب الصحراء وعلى تخوم ما يعرف بوادي الموت، وتهبط إليها في اليوم الواحد ما يقرب من 300 رحلة طيران مجدولة، وعلى النقيض بنى الفنلنديون أكبر مدينة على وجه الأرض لترفيه الألعاب المائية وأين: على مرمى حجر من المحيط المتجمد الشمالي، حيث درجة الحرارة معظم العام تحت الصفر على مداخل هذه المدينة المائية.


نعم، في وطني الغالي، أماكن أخرى واسعة قد لا تعاني أبداً من قسوة المناخ ولكن: أولاً سيصل إليها الدور، ثانياً وهو الأهم، سيصل سكان الرياض إلى عشرة ملايين نسمة بحلول فجر الرؤية الكبرى في 2030. سيكونون يومها ربع سكان هذه المملكة، وهنا يكمن الكنز الاستثماري المبني على قواعد اقتصادية واعدة. نحن لم نبن هذه المدينة القادمة من أجل الترفيه لمجرد الترفيه، بل أيضاً كي يكون الترفيه أحد أركان الدخل في مجمل العوائد المالية والاقتصادية. وهنا سأقول بكل وضوح: قد تكون الباحة أو أبها بمثابة المكان الطبيعي لاستضافة «القدية» ولكننا في الأساس لا نحاكي الطبيعة وحدها في مثل هذه المشاريع، بقدر ما نحكي عن كثافة السكان حول المشروع. ثم إن المدينة الواعدة ليست مجرد ألعاب وترفيه. إنها مدينة رياضة وثقافة ودار فنون كبرى ومساحة سياحة وفنادق. منظومة متكاملة تطرح خيارات واسعة أمام الأفراد والعوائل لاختيار المناسب من الترفيه. أختم: الترفيه لم يعد منصات ألعاب. والت ديزني في تامبا، فلوريدا، لا يختلف صيفها كثيراً عن الرياض.