سمير عطا الله

 دعتني الزميلة ديانا سكيني إلى لقاء تلفزيوني في «النهار»، وهي إحدى الخدمات التي تقدمها الصحف لقرائها في هذا العصر والزمان وقادم الأوان. والزميلة سكيني هي المسؤولة عن الجناح التكنولوجي في الصحيفة التي ولدت قبل ولادة لبنان نفسه، يوم الأحرف تُصف حرفاً حرفاً باليد المجردة.

بعد انتهاء المقابلة فوجئت بالزميلة سكيني تسألني، هل أنت على «فيسبوك»؟ لا. على «تويتر»؟ لا. على «إنستغرام»، «سناب شات»، «واتساب»؟. لا. لا. لا. قالت هذا لا يجوز ويجب أن نجتمع بك لكي ندربك على الترويج لمقالتك. قلت لماذا؟ هل تشكو من قلة الرواج؟ قالت، بالعكس، بل لأنها مادة صالحة للمزيد منه.
خرجت من الاستوديو التلفزيوني في الطابق الخامس من مبنى «النهار» متذكراً يوم دخلت إليها محرراً في الشؤون الخارجية عام 1960. وكانت عبارة عن أربع غرف عتيقة تضم التحرير والمحاسبة وآلات الصف والتركيب والمطبخ والحمام.


وكانت أياماً حلوة. ومن الغرف الأربع كانت «النهار» طليعة الصحف في لبنان، مقالة غسان تويني تُسقط الحكومة، ومقالة ميشال أبو جودة تُقرأ في عدن، ومقالة أنسي الحاج تُحرّك دوائر الشعر والنثر. وكانت كلمة ترويج من العيوب. ومن العيوب المهنية، أن يأتي كاتب على ذكر مقالته أمام الناس لأن ذلك دليل ضعف وعدم ثقة بالنفس. فالمفترض أن الناس قد قرأتك بخيارها وحماسها.
في العالم الجديد لا يكفي أن تخيط قميصاً جميلاً، بل يجب أن تشوّق الناس على شرائه. ولا يكفي أبداً أن تؤلف كتاباً جيداً، بل يجب أن تعثر على ناشر جيد يعرف كيف يحرره ويخرجه ويروج له بين النقاد. وضع ونستون تشرشل 17 مؤلفاً خلال 20 عاماً طبعت 54 مرة. كلما ألقى خطاباً عبقرياً عاصفاً تدافع الناس على المكتبات بحثاً عن الكتاب الذي لم يقتنوه بعد.
كنت ألتقي أمين معلوف في «النهار» كل يوم. فقد كان مكتبي قبالة مكتبه. بعد شهرته، التقيته ذات مرة في مطار مونتريال. وسألته ماذا يفعل في المدينة، فقال إن الناشر الفرنسي طلب منه القيام بجولة في البلاد الفرانكفونية من أجل الترويج لكتابه الجديد، رغم الشهرة العالمية التي أصابها.