عبدالرحمن الطريري

بمجرد إعلان مملكة المغرب قطع علاقاتها مع إيران، بعد أن قام حزب الله بتدريب وتسليح عناصر من جبهة البوليساريو، ودور السفير الإيراني في الجزائر في هذه العملية، تعود الذاكرة إلى الحديث الذي دار في لبنان إبان استقالة دولة الرئيس سعد الحريري العام الماضي.

جزء من اللبنانيين سعوا إلى تكريس سيادة لبنان، وعلى هذا الأساس كانوا ضد الوجود السوري في لبنان، وما أعقبه من إحلاله بنفوذ لحزب لبناني الجنسية إيراني الهوية، مشترك في كل عمل عبثي في العالم العربي، مما ينزع لبنان عن محيطه العربي، وبالتالي دار حديث عن النأي بالنفس فعلاً، ولكن صوتهم كان الأضعف، وكانت ردات فعل المقربين من حزب الله، أن هذه لا تتجاوز كونها دعاية انتخابية مبكرة.

لكن اللافت كانت الأصوات التي دُجنت من ضمن أصوات كانت ضمن التيار الاستقلالي في لبنان 14 آذار، والذي كان يرى المشروع السوري كما المشروع الإيراني، مشروعاً ضد استقلالية لبنان، وهما المشروعان اللذان تلاقيا على الأرض لاغتيال رفيق الحريري، أيقونة لبنان المستقل سياسياً القوي اقتصادياً.

هذه الأصوات بدأت تناول خطاب عنوانه الواقعية السياسية، والواقعية هنا تعني اعتبار حزب الله أمراً واقعاً، تماماً كما كان الجو في لبنان قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، باعتبار الوجود السوري في لبنان زواجاً كاثوليكياً لا مناص عنه.

هذا يعني القبول بأن الانتخابات لا تعني أي شيء على مستوى تحديد شكل الحكومة أو رئيسها، تماماً كما في 2011 حين مُنع سعد الحريري من تكوين حكومة رغم حصوله على الأكثرية، بل وكلفه ذلك الابتعاد لسنوات عن لبنان؛ لأن الحزب قرر أن أولويته القتال في سورية لحماية النظام، وفي حال وجود إزعاج سياسي في لبنان فكل ما سيقوم به هو عملية جديدة تضاف لسجل الاغتيالات.

هذا يعني أيضاً أن القبول بحزب الله كأمر واقع، يعني القبول بأجندته الإيرانية لبنانياً، وبالتالي اختزال قرار السلم والحرب، وتحديد المناطق التي يحق للجيش حمايتها أو مقاتلة الإرهابيين، وللحزب اختيار المناطق التي يفضل القتال فيها منفرداً، أو إخراج الإرهابيين في باصات مكيفة إلى سورية، بالإضافة لبقاء قرار الحرب مع إسرائيل دوماً على الطاولة، بانتظار حاجة إيران لذلك خاصة إذا ما انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي.

الأمر الثالث الذي يشترطه هذا الإقرار بسلطة الدويلة على الدولة، يعني أن ينأى اللبنانيون عن الحديث عن تدخلات حزب الله في الدول العربية من المحيط إلى الخليج، لا أن ينأى لبنان وحزب الله عن التدخل في شؤون الدول العربية.

وهذا الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به الدول العربية وعلى رأسها السعودية، فحزب الله يمثل اليوم الذراع الأقوى لإيران، بل هو ذراع أخطر من رأس الأفعى نفسه، حيث نشط الحزب مستفيداً من القبول الكبير الذي يحظى به الشعب اللبناني، لممارسة أنشطة اقتصادية في أفريقيا، وهو من أسباب الضيق الإيراني من المغرب، حيث مثل النشاط الاقتصادي المغربي والتقارب مع أفريقيا تضييقاً على مصالح الحزب.

اليوم حين نستعرض خريطة العالم العربي، ستجد حزب الله درب عناصر في العراق، وفي الكويت امتدت أصابع حزب الله من الجابرية حتى خلية العبدلي، وعمل على زعزعة الاستقرار في البحرين والسعودية، كما درب عناصر من الحوثيين في اليمن، وقبل يومين اغتيل خبير لبناني وإيراني في صعدة إثر غارة للتحالف العربي.

استغلال السفارة الإيرانية وعناصر من حزب الله لنشر التشيع، حصل في السودان وفي تونس والجزائر، وفي المغرب أيضاً، حيث كان سبب قطع العلاقات في المرة السابقة، أما في مصر فقد كان هناك عناصر من حزب الله قبض عليهم في 2010، فيما سمي حينها «حزب الله»، وحين اقتحمت السجون في 2011 هربوا إلى الضاحية الجنوبية.

كل هذا التمدد السرطاني للميليشيات الإيرانية في لبنان، يؤكد أولاً أن العدو المشترك لكل العرب هو إيران، سواء جيران إيران أو البعيدين عنها، كما يؤكد أن قرار المملكة العربية السعودية بقيادة تحالف عربي في اليمن، لنصرة الشرعية ومنع ظهور حزب الله آخر تكون ضاحيته الجنوبية صعدة، لهو قرار إستراتيجي جنب العالم العربي سرطاناً آخر قتل في مهده.

أما الواقعية السياسية اليوم فتقول إن العالم العربي، يحتاج القيام بأقصى درجات الضغط على إيران وجميع أذرعها في المنطقة؛ لأن عاصفة الحزم أثبتت أنها المشروع العربي الوحيد ضد المشروع الفارسي في المنطقة، كما أن حزب الله وباقي أذرع إيران ستمثل تهديداً على جميع الدول العربية وبدرجات متفاوتة، فإيران لم تزرع هذه الأذرع لكي توزع الأزهار.