صالح الفهيد

لم يعد سرا القول إن العلاقات السعودية التركية تمر بواحدة من أسوأ حالاتها، وإن الأزمة الخليجية ألقت بظلال قاتمة على هذه العلاقات بشكل لم يحدث مع أي بلد آخر، ودون تحامل أو تحيز بوسعي القول إن الجانب التركي يتحمل كامل المسؤولية عن هذا التدهور الذي شهدته العلاقة بين البلدين، والسبب هو الانحياز التركي السافر للجانب القطري منذ الساعات الأولى لتفجر الأزمة، فقد كان مفاجئا وصادما للرياض أن يسارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إرسال قواته إلى الدوحة وهو عمل لم يكن له أي مبرر، ويفتقر إلى الحد الأدنى من الحرص على علاقاته مع السعودية، رغم أنه يدرك جيدا أن عملا كهذا سيشكل ضربة موجعة لعلاقاته مع الرياض التي لا يمكن أن تقبل أو تتسامح مع إرسال قوات تركية إلى دولة تقع في خاصرتها وعلى خلاف متفجر للتو معها، هذا فضلا عن أن أنقرة والدوحة أعلنتا أيضا عن إنشاء قاعدة تركية في قطر!!

ولم تكتف تركيا بهذه الخطوات الاستفزازية للرياض بل تناوب كبار المسؤولين في الحكومة التركية على إطلاق تصريحات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها منحازة مع قطر وضد الدول الأربع المقاطعة لها، وواصل السيد أردوغان شخصيا إطلاق التصريحات غير الودية تجاه الرياض، خصوصا بعد أن تيقن من فشل محاولاته الغريبة للتوسط في الأزمة وهو الذي لم يكن مؤهلا للوساطة بسبب اصطفافه إلى جانب أحد طرفيها.

لقد أخطأ أردوغان عندما تموضع في الجانب القطري منذ اللحظات الأولى من الأزمة، وارتكب خطأ بل خطيئة لا تغتفر عندما أرسل قواته إلى الدوحة، ثم راح يراكم الأخطاء في ملف العلاقة مع الدول الأربع وخصوصا السعودية منها بشكل يستعصي على فهم أي متابع.

وهنا أتساءل: هل كان أردوغان يتوقع أن تماديه في تدمير العلاقات مع السعودية لن يجد ردا من الجانب السعودي؟

وهل كان يتوقع أن المواقف التركية منذ بداية الأزمة وآخرها تحركاته المريبة في أفريقيا، واتفاقاته الغامضة في ما يتعلق بجزيرة سواكن السودانية، وأحاديثه الاستفزازية المستمرة تصريحا وتلميحا تجاه بلادنا وقيادتها ستمر دون ثمن؟

هذا فضلا عن إسقاطاته الأخيرة في قضية القدس ومحاولة ربطها بطريقة غير بريئة بمكة المكرمة، والتصريحات التي واكبته من بعض المسؤولين الأتراك وكانت تنز بعدائية بغيضة، وأحدهم تحدث عن الإمارات بغطرسة شديدة، وتساءل: في أي حفرة هي؟ وهذا يؤكد أن سلاطين بني عثمان الجدد مثلهم مثل ملالي طهران ينظرون إلى العرب والخليجيين منهم تحديدا نظرة ازدراء وغطرسة وتعال.

لقد أخطأ السيد أردوغان فهم الصبر السعودي على المواقف التركية المتمادية في عدائيتها، وقد آن الأوان ليعلم أن هذا الصبر ليس دون سقف، وليس دون خطوط حمراء، ومكة والمدينة خط أحمر، ولن تتسامح السعودية لا مع السيد أردوغان ولا مع غيره في توظيف هذه الأماكن للمزايدات والمتاجرة بقضايا الأمة والزج بهما في الألاعيب السياسية.

وأعتقد أن موعد تسديد فواتير المواقف التركية السلبية تجاه السعودية قد اقترب، وأن الرد على الجانب التركي أصبح مشروعا بل وواجبا، ومع أنه من المبكر الحديث عن شكل وطريقة الرد فإن قرار منع عرض المسلسلات التركية عبر قناة الام بي سي الذي اتخذ قبل فترة يؤشر إلى أن حزمة متنوعة وواسعة الطيف من العقوبات المتدحرجة ضد تركيا مطروحة قيد البحث والنقاش.

شخصيا متألم أن تتضرر علاقاتنا مع تركيا إلى هذا الحد، وكنت وما زلت أرى أن علاقة قوية بين كل من السعودية ومصر وتركيا كفيلة بمواجهة إيران ومواجهة مشروعها التدميري في المشرق العربي، لكن مع شديد الأسف لم يترك الجانب التركي فرصة لإيجاد الحد الأدنى من التوافق بينه وبين أهم قوتين عربيتين هما مصر والسعودية، وبسبب غياب الرؤية الإستراتيجية، بل العمى الإستراتيجي لدى أردوغان وبالغطرسة «العثمانية» المعروفة، فضل على ذلك علاقة مع «دويلة» قطر تحكمها مصالح ضيقة جدا، وطموحات لم يعد لها أي فرص في التحقق.