سمير عطا الله

 من أوائل الستينات إلى عام 1978 عاش لبنان مع ظاهرة جديدة تماماً عليه اسمها موسى الصدر. تزعّم كرجل دين للمرة الأولى حركة سياسية على مستوى البلاد. وسرعان ما تجاوز في نفوذه القيادات الشيعية التقليدية. وامتدت جاذبيته إلى الطوائف والأديان. وإذ اشتعلت الحرب الأهلية عام 1975 شعر اللبنانيون على اختلاف مشاربهم، بأن الرجل الذي صار يعرف بـ«سماحة الإمام» هو أحد مراجع التهدئة الأساسية، لكن فصلاً رهيباً من فصول الحرب بدأ عندما دعي إلى المشاركة في احتفالات «الفاتح من سبتمبر» عام 1978 فذهب مع رفيقين له إلى طرابلس، وغاب هناك في متاهات الأخ القائد.

بعد غيابه، اشتدّت الحرب في لبنان، وكبرت الفرقة، وتوسعت رقعة الانقسام، وأحس اللبنانيون أن الضمانة الكبرى في العودة إلى التآلف قد أطلق عليها معمر القذافي النار، لأسباب ودوافع لم تعرف حتى الآن.
عام 1965 ذهبت إلى «الندوة اللبنانية» للاستماع إلى محاضرة للإمام الصدر بعنوان «الإسلام وثقافة القرن العشرين». كان آنذاك في السابعة والثلاثين من عمره، يطرح أمام سامعيه الإشكاليات التي كانت قد بدأت بالظهور بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى. بعد 53 عاماً على تلك المحاضرة، في كل ما سمعت وقرأت في هذا الباب، ما زلت أعتقد أن الرحابة والدقة وسعة الأفق وعمق التعمق في التراث يجعل من تلك المحاضرة مفترقاً عذباً وجميلاً في التعريف بالإسلام. ورغم ذلك، ختم الصدر كلمته الموسوعية مخاطباً سامعيه من كبار رجال الدين والسياسة بالقول: «إخواني الأعزاء هذا إسلامكم. وهنا أقف معترفاً خاشعاً أطلب العفو عن تقصيري في التعبير عنه. وإذا وجدتم أنه يختلف عما في أيدينا، أو عما كنا نتصوره. وإذا وجدتم أنه يتمكن من الاحتفاظ بقيادة الإنسان في هذا القرن، ويقدر على خلق ثقافات جديدة، إذا وجدتم ذلك كله أو بعضه، إذا وجدتم زيادة حب له ورغبة صادقة فيه، فقد أجدت وأدت (الندوة) رسالتها».
تحدث الصدر منافحاً عن الثقافة والإسلام، والفنون والتشريع والحقوق والإسلام، والفلسفة والإسلام، والآداب والإسلام. ومما قاله: «ونجد أن الفنون الجميلة عند المسلمين كانت عامة في حياتهم، في بيوتهم، في مساجدهم، في السيف وغمده، في المصحف وبيته، في السوق والمعابد العامة. وما كان الفنّ يوماً ترفاً في الحياة وفضلاً من العيش. وجولة قصيرة في المساجد القديمة وفي الأسواق والبيوت في الشام وإشبيلية وأصفهان تكشف هذه الحقيقة. إن منع الإسلام من إقامة التماثيل أوجب في الفن الإسلامي اتجاهاً جديداً إلى النقوش والأبنية وتقدماً في سائر الحقول». وقال إن ما لا يرضى عنه الإسلام في الآداب والفنون الحديثة، لا يرضى عنه أي دين آخر.