طلال عبدالكريم 

 حتى يوم الخميس الأسود، الموافق الثاني من أغسطس 1990، كانت الكويت، حتى ذلك التاريخ المشؤم، هي صاحبة الصوت الأعلى، والإعلام الأقوى، والتأثير السياسي الأميز في كل القضايا القومية، وعلى وجه الخصوص، حمل راية تحرير فلسطين.


فهي مسقط رأس تأسيس المقاومة الفلسطينية، كانت الكويت دائماً في وجه المدفع، وبسبب مواقفها القومية اختطفت طائراتها، وفجرت مرافقها النفطية، واغتيل الأبرياء في مقاهيها الشعبية، فلم يكن يشق للكويت غبار، لم يستطع أن يجاريها أحد، ولا حتى أصحاب القضية، كانت حمامة السلام والدواء الشافي على قلوب الأشقاء، كانت هي من تغيث الملهوف، وتعين المجروح، فكان لا بد من إسكات الكويت، فتم إسكاتها بصدام رغم فزعتها له، وانكفأ الكويتيون، حكومة وشعباً، كرد فعل غاضب ضد من ضحت من أجلهم فقلبوا لها ظهر المجن.
الكويت بعد التحرير ركنت إلى السكون طلباً للسلامة، ونأت بنفسها لمدة طويلة، ويبدو أنها حنّت إلى الأيام الخوالي التي أودت بها إلى الكارثة، ما نراه اليوم هو توجه لأن توضع الكويت مرة ثانية في وجه المدفع، رغم صمت من هم أولى بالصمود، فهم من احتلت أراضيهم، وهم الأقوى، وهم من يفترض بهم استرجاع ما فرطوا فيه، وهم من رفعوا عقيرتهم مطالبين بتحرير فلسطين من وراء ميكروفوناتهم، وفي نهاية الأمر هم من طبّعوا مع إسرائيل في السر والعلن.
الآن عادت الكويت ملء السمع والبصر، تصول وتجول خليجيا وعربيا ودوليا، تريد أن تحل مشاكل العرب المستحيل حلحلتها، وأن تدافع عن قضية العرب الأولى، وبدأت تنافح وتجادل وتعارض حتى من طرد صدام من أراضيها، دفاعا عن غزة، غزة التي تحكمها حماس الإخوانية التي خرجت جموعها تهلل لصدام، حماس المرتبطة بإيران التي تتدخل في شؤون العرب في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وكذلك الكويت والبحرين والسعودية، حماس التي فصلت غزة المحتلة عن السلطة.
نقول: عندما سقطت الكويت تحت براثن الظلم لم يفزع لها إلا مجلس التعاون ومصر، وتركت تلعق جراحها وحيدة، وهي تتعرض لكل أنواع الظلم ممن وقفت معهم في السابق، حتى سخر لها الله أميركا وحلفاءها، لينقذوها. أما اليوم، فقد تغيرت الأوضاع، وقلبت المنطقة رأسا على عقب، ولم يعد هناك من معين غير الله، وممن رحم الله.
نثمن الموقف الرسمي والشعبي الكويتي الإنساني لنصرة أهالي غزة، ونثمن كل من صوت لمصلحة المشروع الكويتي الهادف إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، ونضرع إلى الله أن يحفظ الله الكويت من كل مكروه، وألا تترك وحيدة لتواجه مصيرها المجهول إذا ما حجت حجايجها.
ملحوظة: نعيش اليوم زمن الحقبة الأميركية، فمن أراد السلامة فمن الحكمة ألا يخسر حلفاءه.