عام من الحزم.. حتى تعود قطر صغيرة كما كانت!

 أحمد الجميعـة

القطريون غير مقتنعين أن اللعبة انتهت بعد قمم الرياض الثلاث التي وضعت حداً للتطرف والإرهاب، وغير متخيلين تسارع الأحداث بهذه الطريقة التي وصلوا معها إلى جزيرة معزولة، وغير مستوعبين بعد أن ما هو قادم أسوأ..

العام الذي مضى على مقاطعة قطر من الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب ليس سوى بداية لما هو قادم، حيث لا يبدو أن هناك خطوطاً للرجعة، ولا لغة للحوار، ولا وساطة يُقبل منها أنصافاً للحلول؛ لأن قطر باختصار لا تزال تكابر وهي تدوّل أزمتها وتعسكرها، وتناكف العبث الذي وصلت إليه، وأوصلتنا معه إلى طريق مسدود.

مشكلة قطر وتنظيم الحمدين تحديداً هو الحقد الذي ليس له علاج، والتآمر الذي لم يعد خافياً، والأحلام التي لم تصنع واقعاً، ولن تصنعه بعد أن احترقت كل أوراقها، ولم تجد غير السواد تواسي به أحقادها، وآهاتها، ومعاناتها التي اضطرت معه أن تتنازل عن كرامتها وسيادتها في سبيل أن تبقى إيران شريفة، وتركيا حليفة!

أجمل ما في أزمة قطر أن الأوراق باتت مكشوفة، فلا مزايدات على خليج واحد وتسجيلات الحمدين سمعها القاصي والداني وهي تعلن بصوت واضح عن تقسيم المملكة، وإثارة صفها الواحد، والتآمر على أمنها واستقرارها، ولا حديث عن مكافحة الإرهاب وقطر تخترق كل المواثيق والمعاهدات وتدعم الجماعات الإرهابية من داعش والنصرة شمالاً، والقاعدة والحوثي جنوباً، ودعم جماعات الإرهاب في البحرين والعوامية شرقاً، والصومال وليبيا غرباً، ولا مجال عن حل للقضية الفلسطينية وحماس تجد الدعم من قطر لعرقلة جهود السلام واستفزاز المحتل الإسرائيلي.

وأكثر المشاهد تعرية هو الدعم الذي قدمته قطر لجماعات الإسلام السياسي، وتحديداً جماعة الإخوان الإرهابية بشقيها البنائي والسروري، حيث بات واضحاً أن مشروع قطر الفكري يبدأ من أيديولوجيا تلك الجماعات التي تحلم كما هي قطر بالخلافة والزعامة في المنطقة.

القطريون غير مقتنعين أن اللعبة انتهت بعد قمم الرياض الثلاث التي وضعت حداً للتطرف والإرهاب، وغير متخيلين تسارع الأحداث بهذه الطريقة التي وصلوا معها إلى جزيرة معزولة، وغير مستوعبين بعد أن ما هو قادم أسوأ، ومع ذلك تشعر أن الهزيمة التي في داخلهم قد انعكست على محياهم، وتخبط سياساتهم وقراراتهم وحتى اهتزاز الثقة بينهم، وجعلهم يترقبون ما يسفر عنه كل يوم من أحداث وردود فعل قد تعيد الحياة الهامشية لهم مجدداً.

لو تسأل الحمدين أو حتى تميم المغلوب على أمره بعد عام من الأزمة: هل كنت تتوقع أن يكون الرد الخليجي والسعودي تحديداً من الأزمة بهذه القوة والحزم؟، سيجيب فوراً: لا؛ لأنه لم يدرك حينها أن المملكة تغيّرت، ولم تعد تحتمل ظلم وخيانة وتآمر حكومة الدوحة في ظروف بالغة الحساسية للمنطقة، خاصة بعد ثورات الربيع الفوضوي الذي أمدته بمالها، وجماعاتها الإرهابية، ووصل إلى داخل المملكة، ونال من مقدراتها وإنسانها في عمليات إرهابية من تنظيم داعش، وجماعات الحوثي الانقلابية.

الحمدان وتميم وأجنحتهم القرضاوي وعزمي والجزيرة بكل ما فيها من كذب وتلوين لم ينقذوا قطر من مواجهة مصيرها الذي لم تحن فرصته بعد، حيث تحول كل واحدٍ منهم عبئاً على الآخر، بما فيه عبء الحمدين على تميم، وبالتالي لن يبقى المشهد مفتوحاً بلا حل في النهاية، حيث يبدو أن شرارة التغيير ستكون من الداخل القطري، فهل ينقلب تميم على تركة الحمدين المثقلة وينجو بشعبه قبل أن يغرق المركب بمن فيه؟ أو يرضى أن يكون معهم وتنتهي القصة بانقلاب يطيح بالجميع؟

كل الخيارات مفتوحة، ومتاحة أيضاً، ولكن التوقيت المناسب لا يزال يناور فيما تسفر عنه تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وكيف ستكون عليه أوضاع شريفة من الداخل، وقدرتها على الصمود والمواجهة، وأيضاً ما تعانيه تركيا من أزمات خانقة اقتصادياً وعسكرياً، حيث يبدو أن حلفاء الدوحة ليسوا بأفضل حال، وهو ما قد يعجّل بحل الأزمة القطرية على أساس تنفيذ ما هو مطلوب، وليس حواراً لما هو مطلوب، والفارق بينهما أن تعود قطر صغيرة كما كانت.

مشهد الأزمة القطرية ليس معقداً، ولكن الحمدان يحاولان تعقيده لكسب الوقت على أمل أن يعود أوباما جديد على كرسي البيت الأبيض، والواقع يقول إن الأزمة ستنتهي وترمب على كرسي الرئاسة؛ حين يتخلص تميم من الحمدين ويصل إلى الرياض ليس طلباً للاعتذار، أو التوقيع على كل المطالب، وإنما يريد أن يقول ما هو أهم: «دعوني أعيش صغيراً بينكم!».