خالد أحمد الطراح 

واضح أن الحكومة تعتمد في سياساتها المالية على عوامل لغوية في تبرير تمسكها بالتوجه نحو «رفع سقف الاقتراض»، بهدف كسب تعاطف نيابي، وإثارة فزع شعبي نتيجة مخاطر «استمرار نفاد السيولة في صندوق الاحتياطي العام»، كما جاء على لسان وزير المالية الأخ الدكتور نايف الحجرف (القبس 4 ــ 6 ــ 2018) من دون عرض مصادر وأسباب نفاد السيولة وتسلسل تاريخ السحب من الاحتياطي العام بالأرقام وتحديد الجهات المتسببة في نفاد السيولة!

لذا سأحاول الرد على «مبررات» الحكومة بلغة لا تعتمد على الأرقام، وإنما بنفس الأسلوب الحكومي من خلال إعادة استعراض بعض الحقائق، التي تم نشرها قبل عام 2016 حتى العام الجاري.
كما هو معروف أن هناك انهياراً في أسعار النفط في عام 1997 ــ 1998، وهو ما قاد الكويت إلى اللجوء إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أيضاً، لتقديم التوصيات والدراسات، بالتعاون مع ذوي الخبرة من شخصيات كويتية رسمية وأكاديمية أيضاً، بهدف معالجة التحديات التي واجهتها الكويت اقتصادياً، وهو ما أدى إلى إنشاء اللجنة العليا لتنمية وتصحيح المسار الاقتصادي، التي وضعت من جانبها توصيات عميقة للإصلاح المالي، وإنقاذ الدولة من إنفاق وهدر في الميزانية، لكن سرعان ما وضعت كل التوصيات على الرفوف، ومن ثم في الأدراج حتى دخلت مخازن الحكومة!


ربما الأخ وزير المالية الدكتور نايف الحجرف لا تسعفه الذاكرة في استرجاع هذه التفاصيل، لأنه لم يكن موظفاً في الحكومة بسبب ارتباطه بالدراسة خارج الكويت خلال تلك الفترة، ولكن يفترض أن كل الدراسات بتفاصيلها الدقيقة متوافرة في أرشيف وزارة المالية، حتى يكون الوزير على اطلاع كامل على تاريخ تعثر وتردد وغياب القرار الحكومي منذ تلك الفترة حتى عام 2018، وهو ما قادنا اليوم إلى مواجهة نفاد السيولة من صندوق الاحتياطي العام، ليس لأسباب طارئة كالغزو مثلاً، وإنما بسبب قرار حكومي في الإنفاق وتحميل الميزانية العامة ما لا تحتمل!


أنشأت الحكومة منذ تلك الفترة حتى السنوات الأخيرة هيئات جديدة متشابكة في الاختصاص مع وزارات وجهات حكومية قائمة من دون أي مبرر، علاوة على استنفاد وزارات وهيئات تابعة بنوداً من ميزانياتها، منها وزارة الصحة، لتغطية بند العلاج في الخارج، إلى جانب تقاعس الحكومة في معالجة حساب العهد الضخم حتى انكشاف سره!
تخبط الحكومة في سياسات الهدر ليس مسلسلاً حديثاً، بل له تاريخ كلما تعافت أوضاع أسعار النفط، حتى لو بشكل بسيط، وهو الأمر الذي من الممكن جداً أن يقود إلى نفاد سيولة أكبر حجماً مما هو عليه حالياً، وقد يستمر الوضع نفسه حتى في حالة «الاقتراض الحصيف»، على حد تعبير الحكومة، فالإصلاح المالي يعتمد على مبدأ «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»!
في 2016 حين تم عرض تفاصيل ما يعرف «بالحزمة الاقتصادية لعام 1998»، حيث تم تناول كل التوصيات التي لم ينفذ أي منها إلى اليوم، فيما تأتي وزارة المالية اليوم تتذرع بنفاد السيولة في الاحتياطي العام من أجل الاقتراض، بينما الإصلاح المالي والاقتصادي الشامل قد يأتي يوماً حين ينضب النفط ونفقد أيضاً السيولة في صندوق الاحتياطي العام، ونعود للاقتراض بسقف أعلى من مقترح اليوم، وتسييل أيضاً أصول من صندوقي الأجيال القادمة والاحتياطي العام، فالصندوق السيادي للكويت قادر على استيعاب المغامرات الحكومية!
ينبغي على مجلس الأمة الحصول على تعهد حكومي أثناء جلسة رسمية للمجلس، وليس كما حصل في جلسة غير رسمية في المجلس السابق، بخصوص دعم 75 ليتراً للوقود، الذي لم يتم تنفيذه حتى اليوم، أو حتى تبيان أسباب عدم التطبيق، حتى لا يتحول الاقتراض إلى مصدر هدر جديد، وليس لتغطية الإنفاق الرأسمالي، وبالتالي استمرار الهدر الحكومي وعدم ترشيد الإنفاق.