خالد أحمد الطراح 

يتكرر في بعض المجالس والمنتديات مشهد غير سار مطلقاً حين يهب البعض، خصوصا الذين يغلب عليهم الحماس، نحو فرض الرأي من دون عناء الاستماع حتى النهاية الى الرأي الآخر، ربما نتيجة خضوعهم لسيطرة فكر معين، أو قناعتهم في أن الوسيلة الأمثل المقاطعة وعدم الخوض بعمق في الحوار الموضوعي الى النهاية، وهو سلوك فردي غالباً لمن يهوى إقصاء الرأي الآخر حتى لو كان صائباً!..


ثقافة الحوار لا تعني في أي حال من الأحوال الحدية في النقاش والطرح، وإنما الحوار الهادف من خلال الإنصات الى الرأي الآخر واحترامه وعدم المقاطعة، فليس الجميع قادراً على السيطرة الذهنية من دون التعرض للتشتت والتركيز، وهي ظاهرة لا علاقة لها بالعمر والعمق الثقافي، وإنما بقدرات ذاتية تتفاوت بين شخص وآخر.
في بعض الأحيان يجد الفرد نفسه أمام طوفان من الاندفاع من مصدر واحد، فيما يتدخل البعض الآخر في النقاش، بينما الحوار انطلق في الاساس في بدايته بين اثنين أو أكثر من أصحاب الخبرة والاختصاص، وهو ما يقطع الطريق على الاستفادة من الحوار البناء!
مثلاً التاريخ والثقافة ليسا حكراً على فئة عمرية، ولا يعنيان أن جيل اليوم من الشباب الحاصلين على شهادات عليا في مجالات، كالتاريخ والأدب، لا يستطيعون التفوق على من سبقهم في هذا الميدان، ولا يعني ايضا ان حججهم جميعها صحيحة، فمن خلال ثقافة الحوار والتعددية الفكرية يثري الفرد معرفته في مجال تخصصه وتخصصات أخرى أيضا، وهو ما يتطلب التروي والتأني في الحوار من دون ممارسة أسلوب القمع لصوت الآخرين والإقصاء للآراء الأخرى.
هناك شخصيات لها من الأبحاث العلمية الرصينة والمؤلفات، التي بنيت على وقائع وأعمال تقصٍّ دقيقة، فضلاً عن كونهم معاصرين لحقبات تاريخية، لكنهم لا يتشدقون بأنهم مؤرخون وأدباء، كما يفعل غيرهم، فليس كل من تخصص بالتاريخ مؤرخاً، وليس كل من درس الأدب أديباً، وهذه قاعدة تنسحب على كل التخصصات، التي تتطلب إبداعاً وتفانياً مهنياً وعلمياً وتركيزاً استثنائياً!
ليس من السهل الجزم بأن كل أعمال التوثيق والمؤلفات صحيحة من الناحية التاريخية والعلمية والثقافية، خصوصاً حين يتم البحث والتوثيق من دون الإشارة والاستعراض الوافي لكل مراحل التاريخ، ونقل كل ما كتب ونشر عن هذه المراحل، فالانتقائية في البحث تقود الى فقدان المصداقية، وقد تصل الى اجتزاء للتاريخ، وهي شكل من أشكال نزعات البروز الاجتماعي والثقافي، التي تسيطر على البعض على حساب تاريخ وبصمات لشخصيات وثقها مؤرخون كويتيون وعرب وأجانب ورحالة أيضاً.
التوثيق بشكل عام يقتضي الأمانة في استعراض كل جوانب التاريخ، حتى التي قد تكون محل اختلاف بالرأي للباحث المعني، ومن المهم أن يكون هناك رأي واضح وتحليل موضوعي لصاحب البحث من دون محاباة ومجاملة لأي طرف على حساب طرف آخر!