محمد أبوكريشة 

خروج المنتخبات العربية الأربعة من مونديال روسيا ليس مجرد حدث رياضي يمر مرور الكرام، بل إنه يشير إلى أمور كثيرة، وينبئ بأن الأمس في حياة هذه الأمة ومسيرتها خير من اليوم، وأن اليوم خير من الغد. فهذا الخروج الجماعي العربي من محفل عالمي رمز دال على خروج العرب من كل المعادلات والحسابات الدولية.

فنحن نتحدث عن قوى عظمى كروية في العالم العربي، أي منتخبات السعودية ومصر والمغرب وتونس، فهي قوى كبرى عربياً في مجال كرة القدم، لكن تبين يقيناً أنها كيانات قزمية بلا وزن ولا قيمة دولياً.. وهذه المعادلة يفسرها قول الشاعر هاجياً الحجاج بن يوسف الثقفي:

أسد علي وفي الحروب نعامة .... فتحاء تنفر من صفير الصافر

هلا كررت إلى غزالة في الوغى .... أم كان قلبك في جناحي طائر

وهذه القوى العظمى الكروية العربية. عظمى ضد بعضها، وصغرى وقزمية ضد الآخرين وفي مواجهتهم. ولو كان الأمر متعلقاً بمنتخب واحد وصل إلى النهائيات الكروية الدولية، لقلنا إن الأمر مصادفة، أو هو أمر عادي، ولكننا أمام أربعة منتخبات عربية خرجت جميعاً من المونديال من ضربة البداية. ولا يمكن أن يكون هذا الخروج مصادفة أو مسألة نمر عليها ونحن معرضون. ولا يمكن أن نقول عبارتنا المشهورة: إنه التمثيل المشرف، لأن ممثلي العرب في المونديال لم يكونوا مشرفين على الإطلاق.. بل كان تمثيلاً متدنياً وخروجاً مقززاً.. ولو لم يذهب العرب إلى المونديال لقلنا (لو).. لو ذهبوا لفازوا وذهبوا بعيداً، وأما أنهم ذهبوا بالفعل، فإن الأمر صار فضيحة عربية مدوية، ومؤشراً خطيراً على أن العرب أصبحوا خارج حسابات العالم، وخارج كل المعادلات في السياسة الدولية وفي اللعبة العالمية، فهم أصفار في كل المجالات على ما يبدو، وقد ضحكت كثيراً عندما قال لي صديقي: لا داعي لجلد الذات والحسرة. فنحن أفضل من بنما كثيراً. وهذه المقولة أسمعها كثيراً، عندما تتفاقم المشاكل والكوارث: نحن أفضل من غيرنا كثيراً، ونصاب بعدها باللامبالاة، وعدم الاكتراث. يكفي أننا أفضل من بنما. فنحن العرب ننظر إلى أسفل لنمدح أنفسنا، ولا ننظر إلى أعلى لننقدها ونرى قصر قاماتنا الدولية.

ونحن أفضل من غيرنا جملة مقبولة على مستوى الأفراد يقولها المرء حين يود أن يرضى بما قسمه الله له ويحمده فيقول: الحمد لله أنا أفضل من غيري، أما على مستوى الدول فهي مرفوضة تماماً. وأي دولة لابد أن تنظر إلى ما فوقها ومن علاها لتطير وتحلق. ولا ينبغي أن ننظر إلى ما تحتها لتهوي أكثر، ثم تصل إلى مرحلة قول (نيتشه): أما في الهاوية لذلك لا أخشى السقوط.

تبين أن العرب أقوياء ضد بعضهم فقط، وأن الوقود الذي يحرك آلاتهم هي الكراهية لبعضهم وليس الحب لأوطانهم، ليس حباً في الوطن واسمه وسمعته ولكن كراهية في العربي الآخر، لذلك يلعب أي منتخب عربي ضد أي فريق أجنبي بلا اكتراث ولا غيرة ولا حمية ولا رغبة في رفع علم بلاده ووطنه، ولكنه يلعب للشهرة أو للنزهة أو للفلوس. أما إذا لعب فريق عربي ضد فريق عربي آخر فإنه يلعب بحماس وقوة وعنف، لأنه يكره العربي الآخر، ويريد أن يهزمه. حتى اللقاءات الرياضية العربية فيها حروب بينية وصراعات دموية، ولا يمر تجمع رياضي عربي على خير أبداً. والرياضة التي تقرب الشعوب وتذيب الجليد بينها تؤدي إلى مزيد من التباعد العربي، وتزيد من الجفوة وتخرج منها دائماً أكثر شقاقاً وعداء. وهزيمة العربي للعربي أفضل عنده من الحصول على كأس العالم، لأن الذي يحرك العرب وقود الكراهية لا وقود الحب.

وإذا طالعت مواقع (التواصل) الاجتماعي بعد أي منافسة عربية أو بالأحرى صراع عربي في أي مجال. فسوف ترى كمية رهيبة من التدني في السب والقذف ضد المنافس أو المصارع. ولا ترى أحداً يكتفي بمدح وطنه. فالعربي يكره العربي الآخر أضعاف حبه لوطنه..ويفرح بخسارته أضعاف فوزه هو. وفي كل المجالات هناك صراع عربي عربي وشعار، (أسد عليّ وفي الحروب نعامة). ويدخل العربي المنافسة، أي منافسة ضد الأجنبي، وهو مهزوم نفسياً قبل بدء المنافسة أو قبل ضربة البداية. ويتحرك بمنطق المهزوم مسبقاً، لذلك يؤدي بلا حماس وبلا قوة لأنه يتقن من النتيجة سلفاً، وأنه خاسر ولا يعنيه أنه يدافع عن ألوان بلده وعلمها وسمعتها. وهو يدخل أي منافسة وهو ُيمّني نفسه بأقل الخسائر ولا يمكن أن ُيمني نفسه بالفوز.. أما إذا دخل العربي مواجهة أو منافسة ضد عربي آخر، فإنك ترى وجهاً آخر، حيث القوة والجبروت والعنف لأن الهدف هنا هو هزيمة العربي الآخر، وليس فوزه هو.

وخروج العرب من مونديال روسيا من أول ضربة، أو ركلة يشبه تماماً خروجهم المهين من كل قضاياهم وأزماتهم التي صنعوها، وتركوا حلها أو إدارتها للقوى الإقليمية والكبرى، مثل أزمات سوريا وليبيا.. فالعربي يرفض تدخل العربي في شؤونه الداخلية، بينما لا يجد غضاضة في تدخل الأجنبي بهذه الشؤون.. ونهائيات كأس العالم في روسيا تستدعي مآس عربية كثيرة، ويشرح لك بدقة معاني ما فعله عيال المونديال!