لا تخدعنكم الدلالة السلبية التي تتبادر إلى الذهن عند قراءة أو سماع الوصف الوارد في العنوان. فما يبدو مجرد «قمامة»، سرعان ما أصبح مادة جالبة للأرباح. في زمننا هذا حين ترد مفردة «البيانات» فأنظارنا تتجه مباشرة إلى تلك التي تتوفر على الشبكة العنقودية بكافة فروعها. لذلك فالحديث هنا يدور عن «قمامة البيانات» التي يمكن استخلاصها من هذه الشبكة بالذات. لا يدور الحديث هنا عن البيانات التي يحتاجها الباحثون، باختلاف تخصصاتهم، حين ينهمكون في إنجاز بحث ما، التي نريد أن نقول عنها «معلومات رصينة» متصلة بالوقائع والمعارف، لنميّزها عن «قمامة المعلومات» لا تقليلاً من أهمية هذه الأخيرة، وإنما فقط للإشارة إلى أنها تأتي ثانياً.

في الحال الأولى، حال «المعلومات الرصينة» نقرأ في تقرير كتبه جوي سليم الذي أتينا على ذكر اسمه في مقال سابق قبل أيام، وهو يقدّم تعريفاً، لما تعنيه مفردة «الخوارزميات»، داعياً لتخيّل «مكتبة كبيرة تحتوي على عدد كبير من الكتب. الخوارزميات تشبه المساعدين الخاصّين الذين يتأكدون من أنه يمكننا العثور على الكتاب المناسب بسرعة. يستخدم هؤلاء رمزاً سرّياً للنظر في الكلمات الموجودة داخل الكتب. هؤلاء المساعدون أذكياء للغاية ويسهلون لنا البحث عن أمور معيّنة على الإنترنت».

والكاتب نفسه هو الذي شرح لنا ما يقصده المختصون ب«قمامة البيانات»، ناقلاً عن إحداهن قولها «إنك حين تشارك منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، سيكون مهماً لجمع تلك القمامة. إن كتبت «سأقابل الأصدقاء الساعة 6:45 أو إذا اكتفيت بقول سوف أقابلهم لاحقاً. إذا كنت تستخدم علامات التعجب أو تستخدم نقاط الحذف في نهاية كل فقرة»، فعن ذلك كله ينتج ما يسمى ب«الفائض السلوكي». عندما تتفاعل مع فيسبوك، على سبيل المثال، عن طريق الإعجاب بالمنشورات أو التعليق أو مشاركة المحتوى أو حتى مجرد مرورك على الصفحة الرئيسية للتطبيق، فإن المنصّة تجمع باستمرار بيانات عن سلوكك وتفضيلاتك.

هذا بالذات ما يجيب عن السؤال «المرعب» التالي: «هل حدث أن اقترح عليك إنستغرام أو فيسبوك إعلاناً لشيء فكّرت فيه للتوّ؟ فكّرت فيه فقط، ولم تبحث عنه على الإنترنت على الإطلاق؟»، لتفهم أن «تلك المنصّات باتت كأنها قادرة على قراءة أفكارك»، وأنك تحت مجهرها. السؤال نفسه ورد في تقرير الكاتب نفسه على موقع «بي. بي. سي» وهو يشرح لنا أن ذلك ناتج عن «الفائض السلوكي» الذي يُستخرج غالباً من «قمامة» بياناتنا على الإنترنت. هذه البيانات التي نظنّها ضائعة أو غير موظّفة، هي في الواقع «دجاجة تبيض ذهباً» بالنسبة للمنصّات التجارية التي تتعلّم بواسطتها، مرّةً بعد أخرى، كيف تستهدفنا بشكلٍ أفضل.