خلال الأيام الماضية مرت الإمارات بمحنة مناخية عنيفة وغير مسبوقة، على مستوى الحياة العامة، المؤسسات، البنى التحتية والخدمات، وكبرى خدمات التواصل مع العالم الخارجي، المتمثلة في المطارات وشركات الطيران. والمحنة في أصلها حالة مناخية عنيفة وغير مسبوقة ضربت الإمارات وسلطنة عمان، وتسببت في أعاصير وأمطار بلغت حداً لم تعرفه الإمارات منذ أكثر من 75 عاماً.

المركز الوطني للأرصاد أعلن أن حجم الأمطار التي سقطت على الإمارات خلال الحالة الجوية بلغ 6.04 مليارات متر مكعب، بمعدل 99.6 ملم في يومين فقط، وهي معدلات أمطار قياسية، كان من الطبيعي أن ينجم عنها كل الذي شاهدناه من فيضانات وجريان أودية وتكوّن بحيرات مائية على امتداد أراضي الدولة، مع ما صاحبها من أعطال ومشاهد عاشها أهل الإمارات وتناقلها الإعلام؛ ومع ذلك فإن الأمر لم يستغرق أكثر من بضعة أيام لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية بفضل جهوزية وكفاءة أجهزة وفرق الطوارئ وإدارة الأزمات.

ما أظهرته المحنة هي معادن الناس فعلاً، هذه المواقف والمشاعر التي لم تكن كلها على المستوى المأمول، ولم تكن كلها مخيبة للآمال، وهذا أمر متوقع، وهنا فإنني سأضرب عرض الحائط بكل المواقف الشائنة والمعيبة التي بدرت عن سفهاء الناس من مرضى القلوب المصابين في صميم نفوسهم بسبب تفوق الإمارات، لقد أصبحت أجندات هؤلاء معروفة، وأساليبهم مفضوحة، وصراخهم معلوماً، فلا يستحقون حتى ذلك الحجر التافه أن يلقى في أفواههم إذا عووا؛ لأن السحاب لا يضره نباح الكلاب أبداً.

أما الذي يستحق الاحتفاء والفخر فيتمثل في المواقف المشرفة والحقيقية للمقيمين في الإمارات وخارجها، من الإخوة العرب والأصدقاء غير العرب؛ هؤلاء المحبين الصادقين الحريصين، الذين عاشوا بيننا وخبرونا، وعلموا معدننا، وذاقوا خيرنا، وعرفوا قيمة الإمارات، وقوتها وتميزها، ومكمن سرها وجوهرها؛ الإنسان الخيّر، المخلص لبلده، المحب للخير، المجتهد دائماً، والجاهز دوماً كجندي على خط النار ويده على الزناد للدفاع كما للعمل والبناء، هؤلاء منجز آخر يضاف لكل منجزات الإمارات. والقول إن الأزمات هي أكثر ما يكشف معادن الناس قول صائب إلى أبعد الحدود.