ألا ترى أن الحديث عن الشبيبة العربية طال؟ ألا تخشى أن تتهمك التنميات «النامية» بأنك تشكّك في الإنجازات والانتصارات، في حين أن العالم العربي لم يتضرّر منه بعدُ سوى ليبيا، سوريا، العراق، السودان، وبعض الأجزاء الأخرى؟ ما بلغ بنا التشاؤم حدّ جسارة الكلام عن تردّي الأوضاع، أوْ ضاع، لا قدّر الله ولا كدّر.

من محاسن النفاق اللغوي، دماثة التهوين، فينعتونها بالدول النامية، أي التي قد تحقق نموّها وتفتّق وتألّق، فالعبارة مغالطة. في الفرنسية والإنجليزية إيهام فيه ضحك من الذقون، يصوّرونا بلداناً «في طريق التنمية»، بتعبير أبي الطيب: «أطويلٌ طريقنا أم يطولُ». بعض البلاد العربية بينه وبين التنمية الشاملة والنهضة الكاملة، ما بين الثرى والثريّا. في الطريق...

لكن، من أدهى مساوئ البلدان المتخلفة، أن أنظمتها مصابة بالتخلف الذهني، لتوهّمها الألمعية في استفرادها باستغلال ظروف الفساد الإداري والمالي. كلّا، لا عاصم اليوم من الانكشاف، فحتى الدول الكبرى بدت لها سوآتها الاقتصادية والسياسية والأخلاقية، وهي تلهث تبحث عن ورقة توت، وهيهات.

معضلات التنمية في الدول العربية المتعثرة، لا تُحلّ إلاّ بالشبيبة العربية، التي جعلها التخلف هي المشكلة. كم كان ذلك المثل رائعاً: «الصيفَ ضيّعتِ اللبن»، ومعادله عند الطغرائي: «أضعتَ صفوك في أيامك الأوَلِ». تخيل الحلم الضائع: لو كان للعرب عمل عربي مشترك، في مشروع حشدَ الملايين من الطاقات والكفاءات من كل العالم العربي، لزراعة السودان، منذ بداية أسطورة التحول الديمقراطي، لكانت سلّة الغذاء العربي تفيض على البلدان العربية، وتغدو الآمرة الناهية في معادلات الغذاء العالمي. أينك يا جاك بيرك، عالم الاجتماع الفرنسي القائل: «لا توجد بلدان متخلفة، بل شعوب سيئة التغذية»؟ اليوم، ببركة دم الأخوين في السودان، انتهينا إلى «التحلل الديمقراطي». إذا استطاع السودانيون عام خمسين العودة إلى ما كانوا عليه عام 2000، فسوف يكونون قد ظفروا بالفردوس المفقود.

أحد الماكرين رسم صورةً غير مدرك أن الدعابة هي الأخرى تخضع لقانون «للصبر حدود»، قال: إن العالم العربي مصاب بعمليات الطرح: لدينا أربعمئة مليون نسمة، نحذف من القائمة الإنتاجية كبار السن والأطفال والمرضى والعاطلين من العمل والأميين، وهم بين الخمس والربع، وأعداداً هائلةً من النساء، فنكتشف أن الشبيبة المنتجة لا تكفي العالم العربي حتى لو كان مئة وخمسين مليون نسمة فقط.

لزوم ما يلزم: النتيجة المثالية: المعجزة التنموية الخارقة، هي أن تعود ملايين العقول العربية المتناثرة في العالم، لتعيد البناء من الأساس. إنه شعب عربيّ مفقود.