هذا ما حدث بالفعل للمفكرَّين برتراند راسل، وجورج برنارد شو، عندما اصطدمت درّاجة أحدهما بالآخر. لم يقل راسل الذي أورد الحكاية متى حدث ذلك وأين، ولكن لنخمّن أنهما كانا في مشوار مشترك أرادا أن يقطعاه، وكل منهما على درّاجته الخاصة، فاصطدمت الدرّاجتان. وقال برتراند راسل إنه خشي لحظتها أن تؤدي هذه الحادثة إلى التعجيل بمستقبل برنارد شو، الذي كان قد بدأ حينها للتو يتعلم ركوب الدراجة، فارتطم «بقوة عظيمة» بدراجة راسل، لتطيح بشو في الهواء وتلقيه على ظهره مسافة عشرين قدماً من مكان الاصطدام، ولكنه نهض من دون أن يصيبه أذى، ليواصل السير على دراجته، فيما تحطمت درّاجة راسل الذي عاد بالقطار إلى من أين أتى، ولأن القطار الذي استقله راسل كان بطيئاً للغاية ويتوقف عند كل محطة، فإنه كان يرى شو بدراجته على الرصيف، مكرراً الدخول برأسه من نافذة عربة القطار مستهزئاً بصاحبه الذي تحطمت دراجته.

كان برنارد شو نباتياً، يتجنب أكل اللحوم، ولم يشكّْ برتراند راسل في أن صديقه كان يعتبر نجاته من الحادث ثمرةً من ثمار فضائل النباتية، قائلاً إن صديقه كان محظوظاً لأن الله حباه بزوجة «على درجة كبيرة من الكفاءة»، كان من عادتها أن تقدّم إلى شو وجبات نباتية «عظيمة»، حسب قوله، كانت تثير حسد ضيوفه حين يقارنون ما يرون بأكلاتهم التقليدية.

هذا بعض ما قاله راسل في كتاب «مديح الكسل» الصادر عن المشروع القومي للترجمة في مصر بترجمة وضعها رمسيس عوض، جاء في إطار حديثه عن علاقته مع بعض مجايليه من الأدباء والمفكرين، ومن ضمنهم ه.ج. ويلز، وبرنارد شو نفسه، مظهراً ما كان يجمعه بهم، وما يختلف معهم حوله، وسنجد أن راسل قسّم سيرة بعضهم إلى مراحل تبعاً لتعاقب الفترات العمرية لهم، ليلحظ الفروق بين مرحلة وأخرى، وليظهر في أي مرحلة كان يجد الشخص الذي يتحدث عنه أقرب إليه في التفكير من بقية المراحل، كأنه ينبهنا أنه من النادر أن يبقى المرء في دائرة التفكير نفسها طوال حياته، وأن هذه الحياة تشهد تقلبات وانعطافات عائدة إلى عوامل كثيرة، بينها تغيّر الواقع المعايش، وبينها أيضاً ما ينشأ من تحوّل في مواقف الفرد نفسه الذي قد «يرتد» عن مواقف سابقة له، أو يعيد النظر فيها.

خطر في بالي سؤال لا يخلو من «الشطح». أترى قصد راسل بإيراد حكاية اصطدام الدراجتين، وهي حكاية حقيقية حدثت، أن يأخذ بأيدينا على مهلٍ ليقودنا إلى مناطق الاصطدام الأخرى في الموقف والرؤية والفكر التي عرفها في علاقاته مع شو، أو سواه من أدباء عصره؟