تتدفق الأرقام التي تتداولها التقارير الإعلامية وتتصاعد بوتيرة أقل بمراحل من وتيرة تدفق وتصاعد لاجئي الروهينجا عبر الحدود التي تربط ميانمار ببنجلاديش، وقد بح صوت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من نشر صور تكدس اللاجئين بشكل مفجع وغير انساني عبر هذه الحدود.

تتواصل عمليات النزوج واللجوء ويتواصل بموازاتها الاضطهاد واستدعت الذاكرة الإنسانية مجدداً مسميات بشعة مثل "التطهير العرقي" والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، والمجازر الوحشية والتهجير القسري، وغير ذلك من توصيفات مؤلمة، تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية، وتبدو عاجزة عن وصف حقيقة ما يحدث في إقليم راخان المنكوب في ميانمار!

يشير الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 في ديباجته إلى أن من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولكن هذه القاعدة الذهبية لم ولن ينتبه إليها أحد في التعامل مع قضايا حقوق الانسان، فالظلم لا يولد سوى الكراهية والأحقاد والضغائن، ويمثل هدية مجانية لتنظيمات العنف والإرهاب، التي تحصل على قبلة "أوكسجين" تجعلها على قيد الحياة

من هذه الممارسات اللاانسانية ضد المسلمين وغيرهم.

الأوضاع في إقليم راخان ليست قضية اضطهاد مسلمين فقط، بل قضية تضرب عمق الضمير الإنساني، ولا يفترض ألا ينظر إليها باعتبارها قضية تخص العالم الإسلامي، بل هي قضية عالمية بامتياز، لأن البشرية التي ترفع شعارات حقوق الانسان والمساواة ونبذ التعصب والكراهية منذ أكثر من نصف قرن تقف عاجزة الآن ومكتوفة الأيدي عن وقف هذه الجرائم سواء في راخان أو غيره من مناطق المعاناة والاضطهاد!

لا اعتقد أن هناك فارقاً كبيراً، لجهة الأثر والأبعاد، بين حرق تنظيم "داعش" لضحاياه واختطاف النساء واغتصابهن، وبين ما تفعله قوات الأمن في ميانمار ضد أقلية الروهينجا!

لقد تصدت دولة الامارات العربية المتحدة لهذه المأساة الإنسانية منذ البداية، وقدمت مساعدات إنسانية على مراحل عدة، ضمن التزامها الإنساني الثبات باغاثة اللاجئية وتقديم المساعدات للمحتاجين من دون تفرقة بني لون وجنس وعرق، كما حثت المجتمع الدولي على التصدي للأزمة، ونجحت في الحصول على دعم الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي للبند الطارئ الذي قدمه المجلس الوطني الاتحادي بشأن إغاثة الروهينجا.

الأمم المتحدة، ممثلة في الأمين العام ومفوضية اللاجئين، تصدت بحزم للأزمة، ولا تزال تحاول فعل شيء في التعامل معها، ولكن الواضح أنه من دون دعم القوى الكبرى ومساندتها لتحركات المنظمة

الدولية يصبح التصدي لأزمات حقوق الانسان حلم صعب حتى الآن.

المشكلة تتمثل في أن القوى الدولية لم تدرك حتى الآن العلاقة بين اضطهاد أكثر من 500 ألف من الروهينجا، وبين فتح جبهة جديدة للارهاب! والقانون الدولي ثبت تماماً أنه عاجز ولا يمتلك آليات ومخالب للتنفيذ، وثبت غير مرة فشل الآليات الدولية في التصدي للأزمات من دون دعم القوى الدولية الكبرى.

سلطات ميانمار تدين ما تزعم أنه تنظيمات إرهابية في راخان، ومن الوارد بالفعل أن تكون هناك اعتداءات مضادة على مقرات قوات الأمن تنفذها تنظيمات عنفية موالية للروهينجا، ولكن علينا أن نتعامل مع جذور الأزمة كي يمكن تجفيف هذه المنابع التي يمكن أن تجذب المتطرفين والإرهابيين من مختلف أرجاء العالم.

لا يجب أن ننسى أيضاً أن الإرهاب صار صناعة وتجارة و"بزنس" ضخم له دول تموله، وله قادة عابرون للقارات وعناصر تجوب العالم بحثاً عن مزيد من الجبهات الصراعية، لذا فإن على العالم أن ينتبه وهو يدمر جبهة الإرهاب في سوريا والعراق أن يتفادى فتح جبهة جديدة لا تقل جاذبية عما سبق فتحه من جبهات!

بننجلاديش تعاني جراء وجود أكثر من نصف مليون لاجئ على أراضيها، واقتصادها غير قادر على تحمل

عبء هذه الحشود، ومن ثم فإن ترك الأمور على حالها في راخان والحدود بين بنجلاديش وميانمار قد يفضي إلى تكرار مأساة رواندا وكوسوفا.

أزمة الروهينجا تحتاج إلى تحرك دولي فاعل على الأرض ويكفي ترجمة ماصدر من قرارات دولية حتى الآن لإنقاذ العالم من موجة إرهابية جديدة.