نما كنت اتابع بعض ردود الأفعال على الإعلان عن وزارة للذكاء الاصطناعي في التعديل الوزاري الأخير في الدولة، تذكرت أن دهشة مماثلة حدثت عندما تم الإعلان عن وزارة غير مسبوقة عالمياً للتسامح، وأدركت أن هذه الدهشة هي خير تعبير عن المسافات الزمنية التي تفصل بين التخطيط للمستقبل في الامارات وبين نظرة الآخرين للمستقبل.

ستلاحقنا الدهشة خلال السنوات المقبلة، لأن قطار الامارات انطلق بسرعة شديدة تفوق سرعته الآخرين، ومن ثم فإن هناك تفاوتاً في التعامل مع تحديات المستقبل لدى كل طرف، فالإمارات تتعامل مع بيئة مستقبلية مليئة بالتحديات التي تفرضها التنافسية الشرسة مع الدول المتقدمة، بينما هناك من لا يزال يواجه تحديات سبق للإمارات أن تجاوزتها بمراحل.

الإمارات اتجهت منذ سنوات إلى صياغة مستقبلها، ونجحت في التعامل مع أدوات المستقبل، واعتمدت على حكومة ذكية ثم حكومة المستقبل، وكثفت اهتمامها بالبحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، فالدولة التي تمتلك استراتيجية غير مسبوقة اقليمياً للذكاء الاصطناعي تحتاج إلى أدوات لتفعيل هذه الاستراتيجية وضمان تطبيقها بشكل جاد ودقيق.

عندما تحدثت الامارات عن الحكومة الالكترونية وجدت بعض الاستغراب، ولكنها أثبتت منذ سنوات

مضت أنها سباقة ورائدة عالمياً في هذا المجال واستطاعت بناء تجربة تستفيد منها الآن الدول جميعها!

التلازم بين الحكومة الالكترونية واستشراف المستقبل وصناعة الفضاء وتطوير التعليم والتوجه نحو الثقافة العالمية هي في مجملها محاور استراتيجية تصب في خانة بناء إمارات المستقبل، ومن ثم فإن تخصيص وزارة للذكاء الاصطناعي يعكس هذا التفكير الاستباقي في التعامل مع تحديات المستقبل وامتلاك أدواته، فالعالم يتقدم بوتيرة متسارعة، والسعي للتنافسية العالمية يتطلب تفكيراً إبداعياً وابتكارياً يضاهي تفكير النخب في الدول المتقدمة.

كل مايحدث على أرض الامارات يتم على قاعدة الاستعداد للمستقبل، وهذا الاستعداد يتطلب أن تمتلك الأدوات، والبنى التحتية الفكرية والتخطيطية والتكنولوجية التي تتيح لك التعامل مع أدواته والتحدث بلغته، والمقدرة على مسايرة الآخرين فيه مجالاته الجديدة، واعتقد أن التركيز على الذكاء الاصطناعي ومنح فرصة كبيرة للكوادر المواطنة الشابة للتعامل مع هذا التحدي الكبير هو موجة ثانية من البناء والتطور الاتحادي.

علينا ان نتذكر أن الامارات تستعد للاحتفال بتصدير آخر برميل نفط كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، وفي إطار هذا الاستعداد تسعى لامتلاك كل الأدوات اللازمة للنجاح في تحدي مابعد النفط، وفي مقدمة ذلك

تأتي صناعة تكنولوجيا المستقبل وبناء قاعدة معرفية لها في الإمارات.

نجحت الإمارات بجدارة في تحدي التنمية والبناء واستطاعت بناء دولة نموذج تبهر الجميع بما تمتلكه من أدوات التقدم والتطور على المستويين المادي والقيمي، والآن تتجه لبناء نموذج المستقبل بأدوات وموارد جديدة معتمدة على أبنائها وشبابها، الذين استثمرت الكثير في تعليمهم وتدريبهم في أرقى الاكاديميات والجامعات العالمية، وتدرك أن عليها الفوز في هذا التحدي الأكثر شراسة من سابقه. ومن ثم فإن وجود الامارات ضمن سباق الثورة الصناعية الجديدة بأدوات الذكاء الاصطناعي، يمثل عنوان فخر للعرب والمسلمين جميعاً، ويؤكد أنهم قادرون على مضاهاة التقدم وإنتاج المعرفة، بدلاً من الصورة النمطية السيئة عن المنطقة التي لم يعد العالم يعرف عنها سوى اخبار الإرهاب والعنف الكارثي.

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في الإعلان عن التعديل الحكومي الأخير "التعديل الحكومي الجديد جاء بناء على اجتماعاتنا السنوية الأخيرة، وإطلاق مئوية الإمارات، وتلبية لمجموعة من متطلباتنا المستقبلية بعيدة المدى". وأوضح "المرحلة الجديدة عنوانها مهارات المستقبل، وعلوم المستقبل، وتكنولوجيا المستقبل، لأننا نسعى للتأسيس لمئوية نؤمّن من خلالها مستقبل أجيالنا".، المسألة إذن تتعلق

بالمستقبل وتضع أسس التعامل معه، فـ "مئوية الإمارات تبدأ الآن بإطلاق مشاريع ضخمة مثل الذكاء الاصطناعي للتأسيس للمرحلة المقبلة" كما قال سموه، وهذه هي فلسفة التعديل، ليس لمعالجة معضلات الحاضر بل الاستعداد للمستقبل، فالتعديل الحكومي في الامارات لا يستهدف كما يحدث في دول العالم معالجة أوجه قصور، بل ضخ دماء جديدة قادرة على مجابهة تحديات المستقبل والاستعداد الجاد له، فهي خطوات مدروسة تفرضها خطط استراتيجية دقيقة لدخول الامارات المئوية الثانية بمقومات وركائز تنافسية تضمن لها البقاء في المراتب الأولى للدول المتقدمة.