في عام 2014 انتشرت اخبار وصفها بعضهم بـ"الصادمة" تمثلت بقيام الفيسبوك بإجراء بحث على عينة من مستخدمي الفيسبوك بلغت اعدادهم 700 الف شخص لمعرفة مدى تأثير ما يراه المستخدم من اخبار " ايجابية او سلبية " في قسم " آخر الاخبار" في صفحة الفيسبوك لمعرفة مدى تأثير هذه المنشورات على نفسية المستخدم، حيث خرجت الدراسة بنتيجة مفادها بان مزاج المستخدم وشعوره يتأثران، الى حد كبير، بالأخبار من خلال ما تمت تسميته بـ" العدوى العاطفية" emotional contagion.

وفي يوم الاثنين المصادف الاول من شهر أيار الحالي، كشفت صحيفة ذا استراليان عن وثيقة بعنوان" سري للغاية – للاستخدام الداخلي فقط" تتألف من 23 صفحة، تشير الى قيام الفيسبوك باستغلال المراهقين"ومايمرون به من ظروف نفسية متذبذبة" لجني الأرباح.

العينة التي استهدفها الفيسبوك يبلغ عددها هذه المرة 6,4 ملايين طفل وشاب من أستراليا ونيوزيلندا في المدارس العليا والثانوية من الذين لاتتجاوز أعمارهم الـ14عاما، حيث تمت مراقبة الحالة العاطفية والنفسية التي يمر بها المراهقون في المواقف التي يتعرضون لها في حياتهم اليومية ثم تمرير تلك المعلومات لشركات الدعاية والاعلان.

وقد استخدم الباحثان دايفيد فيرنانديز وصديقه آندي سين، (David Fernandez Andy Sinn ) خوارزميات معينة يتم من خلالها جمع بيانات ومعلومات عن طريق تتبع النسق او النمط النفسي لهؤلاء المراهقين، من اجل

معرفة متى يشعر هؤلاء " بالانهزام والقهر والإحباط والعصبية والسخافة والفشل وانعدام الجدوى... وسائر المشاعر الإنسانية"، حتى يتم بعد ذلك تحديد وضع المراهق النفسي وحالته من اجل ارسال اعلان مناسب له حيث يكون، حينها، اكثر تقبلا لرسالة اعلان الشركة والتفاعل معها وهو في وضعه المضطرب الضعيف.

وازاء هذه الادعاءات والاتهامات غير الاخلاقية التي تم اطلاقها، قام الفيسبوك بالرد فورا على ماتم نشره من قبل الصحيفة الاسترالية، واصدر فورا بيانا على موقعه الرسمي، جاء فيه:

(في الأول من مايو، نشرت The Australian قصة تتعلق ببحث يقوم به فيسبوك وتمت مشاركته مع شركة إعلانية بعد ذلك. والفرضية التي يطرحها الخبر مضللة، حيث إن فيسبوك لا يقدم للشركات الإعلانية أدوات تساعدها على استهداف الجمهور بإعلانات موجهة طبقا لحالتهم العاطفية. والتحليل الذي قام به باحث استرالي كان بهدف مساعدة المعلنين فهم كيفية إعلان الجمهور عن مشاعرهم بفيسبوك، ولم يستخدم إطلاقًا في توجيه الإعلانات على البيانات التي كانت مجمعة ومجهّلة تمامًا؛ أي غير مرتبطة بأشخاص معينين. وبدأ فيسبوك عملية لمراجعة الأبحاث الجارية، وهذا البحث تحديدًا لم يتبع تلك العملية، ونقوم حاليًا بمراجعة التفاصيل وتعديل الرقابة).

يتضح من رد الفيسبوك على الصحيفة ان هنالك فعلا أبحاثا حول هذه المواضيع وهي تهدف، بحسب بيان الفيسبوك، الى " فهم كيفية إعلان الجمهور عن مشاعرهم بالفيسبوك "، وفي هذا النص وحده اعتراف بان الفيسبوك يعلم او يحاول ان يعلم كيف يعبر المستخدم عن مشاعره واحاسيسه وحالاته على الفيسبوك وهي كافية لوحدها من اجل كشف ظهر المستخدم، ان جاز استخدام هذا اللفظ، للشركات التي تستفيد بشكل كبير من هذه المعلومات، فضلا عن ان شركة الفيسبوك هي الوحيدة التي تمتلك مثل هذه المعلومات الدقيقة عن المستخدم.

كما ان اقرار الفيسبوك بانه سيشرع بالبدء بمراجعة الابحاث الجارية، مثلما رأينا في نهاية البيان، يلقي امامنا مزيدا من الشك حول مدى قانونية

هذه الابحاث ومدى مطابقتها لمبادئ الفيسبوك واحترام خصوصية المستخدم وعدم التجاوز عليها، فضلا عن السلوكيات الاخلاقية والمبادئ المتعلقة بها.

ومن خلال الإستقراء البسيط، وجدنا ان هذه ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها شبكة الفيسبوك الى هكذا نوع من النقد، فبالاضافة الى مايوجه للفيسبوك من انتقادات تقليدية تتعلق بربحه الفاحش وما تسبب به من اضاعة لاوقات الناس ومحاولته السيطرة على شبكة الانترنيت وغيرها مما يُقال عليه، فان هنالك، برأيي، اخطاءً كبرى قام بها، وهي:

1- اجراء تجارب على مستخدميه من غير الحصول على موافقتهم، وهي تجربة مدى تأثر الناس بما ينشر على الصفحات والتي استهدفت 700 الف شخص.

2- استسلام الفيسيوك امام الاخبار الكاذبة التي تنتشر على منصته وعدم قيامه بالحد نهائيا من تأثيرها السلبي، على الرغم من محاولاته الظاهرة في هذا السياق.

3- استغلال مشاعر ولحظات ضعف المراهقين من اجل زيادة أرباحه وعلى نحو يخلو من الانسانية.

وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ الدراسات الاجتماعية والعلوم والتكنولوجيا في جامعة MIT البروفسور شيري تركل، ان الناس تجرب وسائل التواصل كمكان لكي تشارك فيه لحظات الفرح والحزن من اجل التعبير عن انفسهم...والان يجب تعديل توقعاتنا او نطالب بمعايير جديدة للعمل في الفيسبوك. وتساءل: هل اصحبت مشاعرنا شيئاً يجب ان يباع كسلعة جديدة؟؟؟ وهو، برأيي، تساؤل مهم وواقعي ويستند الى تجارب معاشة، وعلينا جميعا ان نتأمل فيه ونفكر في مضمونه خصوصا حينما يكون الجواب؛ نعم... مشاعر المراهقين وكل المستخدمين في الفيسبوك معروضة امام شركات الإعلانات وهو الامر الذي اصبح طبيعيا بالرغم من اعتبار التفكير فيه امرا مروعا وجارحا للكرامة الانسانية وقيمتها، ولذا يضيف تركل "ان فكرة بان احباطات

الطفل يمكن ان تصبح او تتحول الى سلعة هو امر صادم بالنسبة لنا.... لكن هذه الأشياء أصبحت طبيعية جدا وبصورة سريعة".

ويطالب جيفري جيستر، وهو احد النقاد الدائميين للفيسبوك، ويعمل مديرا تنفيـذيا لمركز الديمقراطية الرقمية، شركات التكنولوجيا بان تزود المشرعين بمعلومات حول مايجمعوه من معطيات تتعلق بالمستخدمين في الفيسبوك وكيفية استخدام هذه البيانات في الإعلانات، خصوصا لدى المستخدم المراهق في مرحلة محملة بالقلق للانتقال نحو مرحلة النضج المليء بالتغييرات الاجتماعية والعاطفية.

ويقول جيستر؛ مانشرته الصحيفة الاسترالية يكشف بان الفيسبوك مستمر في النظر لمستخدميه، وحتى المراهقين منهم، على انهم ليسوا اكثر من بقرة حلوب يتلاعبون بها من اجل المسوقين. والفيسبوك يستخدم قوة سلطة منصته الرقمية للتلاعب بالشباب المراهق بالرغم من ان المراهقين يحتاجون لتعزيز الثقة بنفسهم وليس التعرض لمثل هكذا اختبارات تمس كرامته وتخترق خصوصياته وتتجاوز على حقوقه.

من المؤسف حقا ان يتعرض الانسان، على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لتجارب تهدف، بالدرجة الاولى، الى زيادة ايرادات سوق الاعلانات الرقمية التي تزداد أرباحها شهريا، مثلما تزداد الشركات العاملة في هذا المجال، ومع ذلك، فأنّ شركتا 'فيسبوك' و'جوجل'، قد هيمنت، بحسب اخر التقارير، في عام 2016، على حوالي 20٪ من عوائد الإعلانات الرقمية في جميع انحاء العالم.

مهند حبيب السماوي

باحث في مجال السوشل ميديا

https://twitter.com/alsemawee