فرحت مؤخراً بصدور كتاب جديد لي عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث انتهيت من هذا الكتاب في الربع الأخير من العام الماضي، وكنت اتشوق ليوم صدوره ليس لشىء سوى رغبتي العميقة في أن اسلط الضوء على دور هذا القائد في تحصين الأمن الوطني لدولة الامارات وحماية الأمن القومي العربي في مرحلة تاريخية من أصعب المراحل التي شهدها التاريخ المعاصر.

ولدت فكرة الكتاب عندي منذ عام 2012، وفي ذورة الاضطراب الذي شهدته منطقتنا الخليجية والعربية، وحيث كانت قوارب معظم دول المنطقة تتقاذفها أمواج الفتن والاضطرابات، ولم يكن يلوح في الأفق سوى صورة سوداوية قاتمة للمستقبل في نظر الغالبية من الشعوب العربية، وشعر الكثيرون بالدوار والضياع، ولكن الله هيىء لدولنا العربية قادة نجحوا في الامساك بدفة القيادة في المنطقة وتأمين رسوها في مرافىء آمنة، وفي مقدمة هؤلاء القادة يأتي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي لا يمكن أن أقول عنه سوى رجل المواقف، فهو صاحب موقف استراتيجي ذو بصيرة نافذة، ومقدرة قوية على اتخاذ القرار وتنفيذه.

تأليف كتاب عن شخصية بحجم تأثير صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والالمام بجوانب تاثيره الاستراتيجي في اللحطة التاريخية الراهنة ربما يتطلب فريق عمل كبير وقدرات بحثية قد لا يقدر عليها سوى مراكز أبحاث تحظى بموارد مالية وبشرية كبيرة، ولكني عقدت العزم منذ اللحظة الأولى للعمل على أن كل جهد كبير يحتاج بالأساس إلى إرادة صادقة، وأن الفيصل بين الامكانيات يمكن رأبه وجسره بالعمل المكثف والعزم على تحقيق الهدف وبذل الجهد حتى وإن طال الوقت بعض الشىء، لاسيما أنني لمست قصوراً في الانتاج البحثي في هذه الجزئية بالغة الأهمية بالنسبة لوطننا ودولتنا وأجيالنا الجديدة المتعطشة للمعرفة والفهم، وهي رسالة وطنية حتمية، بل حقها علينا في أن تعرف، وألا نترك أي أمور أو قضايا لعبث العابثين والمتآمرين والحاقدين من جحافل الجيوش الالكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من قنوات الاتصال الجماهيري.

يجب التأكيد في البداية على أن فكرة أي كتاب، سواء كانت موضوعاً أو تناولت مواقف وسياسات محددة، هي فكرة ذاتية تنبع من ارتباط الكاتب بتلك الفكرة أو الموضوع، فالرابط بين الاثنين حتمي كي يحدث التفاعل والتجاذب ويتم تناول الفكرة من منظور معين يمضي عبر خطة العمل التي توضع للكتاب؛ وهنا أشير إلى أن اعجابي وتقديري لسياسات ومواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كانت المحرك الأساسي للعمل في هذا الكتاب، الذي أردت أن يكون منتجاً منهجياً بحثياً قائماً على التوثيق العلمي والتحليل السياسي، كي يكون جديراً ـ على قدر استطاعتي ـ بما يعمل عليه سموه ـ أطال الله في عمره ـ في خدمة وطنه وأمته العربية والإسلامية.

لم اكتب عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من باب التعريف بالشخصية، فسموه لا يحتاج لتعريف، فمواقفه الوطنية والقومية والتاريخية تشهد له، ولكني أردت أن أسجل مواقف وسياسات تحتاج منا جميعاً للتوثيق العلمي والبحثي كي تظل باقية أمام عيوننا وسط طوفان المعلومات والأخبار الهائل الذي تتقاذفه شبكات المعلومات في عصر ثورة المعلومات.

ثمة سبب آخر لإصدار كتابي يتمثل في التركيز على التحليل والتفسير الاستراتيجي للسياسات والربط بينها من أجل رسم معالم صورة أو رؤية استراتيجية متكاملة لتلك السياسات، التي ربما يصعب على البعض الربط بينها أو استكمال الصورة وجوانبها المختلفة من اجل التعرف على ماوراء السياسات وأبعادها وأهدافها الاستراتيجية العميقة.

والآن وقد خرج كتابي المعنون "فخر العروبة: صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.. القائد والانسان" إلى النور، أشعر باعتزاز وطني كبير، واستطيع القول أنني بذلت ما استطيع في مجال عملي البحثي من أجل الاسهام في مسيرة وطن، وقد سجلت بالفعل في كتابي أن هذا الجهد قد لا يكون نهاية المطاف بالنسبة لي أو لغيري، ولكنه بمنزلة الخطوة الأولى الأساسية وطلقة الانطلاق في سباق علمي مشرف على مضمار توثيق وملاحقة مواقف وسياسات شخصية أثق أنها كان لها الفضل، بعد المولى عزوجل، في توفير الأمن والأمان والاستقرار لملايين البشر في منطقتنا والعالم، وحمايتهم من جحافل تتار القرن الحادي والعشرين، من دواعش وإخوان وقاعديون وغيرهم من أصحاب الفكر الظلامي الكارثي الذي حل على منطقتنا في لحظة من الزمن بفعل تمويل ودعم حصل عليه من دول وقادة لعبوا، ولا يزالون، أدواراً خبيثة، وكانوا بمثابة "السرطان" الذي ينخر في جسد منطقتنا وأمتنا العربية والإسلامية.