مّر للتو تموز وهو شهر الثورة الفرنسية الكبرى ، التي ساهمت في دفع عجلة التاريخ الى الامام ، وثورة 14 تموز العراقية التي حققت منجزات هامة للشعب العراقي، ولكن اغتالتها المؤامرات الداخلية والخارجية والصراعات الحزبية الدموية. ومما قد لا يعرفه كثيرون ان التلفزيون العراقي ظل في الايام الاولى للثورة يذيع موسيقى النشيد الوطني الفرنسي الذي بدأ مع الثورة ومن الصدف ان الثورتين وقعتا في الرابع عشر من تموز. سبقت الثورة الفرنسية حركات وموجات فكرية وثقافية تنويرية ، وأعلنت لائحة لحقوق الانسان ووضعت اسس العلمانية في الصراع ضد الكنيسة المتحالفة مع الاستبداد الملكي. ولكن الاضطرابات الثورية استمرت ولم تهدأ حتى جاء حكم نابليون بونابرت الذي اقام حكما مركزيا قوياً مؤمنا بشعارات ومبادئالثورة في الحرية والمساواة والإخاء ، وعاملاً على نشرها في العالم. وقد تأثرت النهضة العربية الحديثة بمبادئ الثورة التي كانت حافزا قويا لتقدم الفكر والثقافة العربيين منذ اواخر القرن 19 ، وتحديث العمل السياسي. ونعرف ان تلك النهضة التي استمرت ، سرعان ما اصطدمت بعقبات تدميرية متمثلة في ظهور وصعود الاسلام المتمثل في حركة الاخوان المسلمين. ومن المؤلم ان التداعي الحضاري العربي والإسلامي يتواصل مع تمدّد واتساع رقعة الخطر الاسلاموي ، من حركات وتنظيمات ارهابية ودول ترعى الارهاب وتموله وتطبل له. الثورة الفرنسية كانت ثورة شعبية تماما ، اما الثورة العراقية فقام بها جيش وطني مدعوماً بدعم واحتضان شعبيين. لقد كانت الفترة الاولى للثورة بمثابة المهرجان لولا انفجار الصراعات الحزبية الدامية ، ولاسيما الغدر البعثي والتدخل الناصري . وفي تلك الايام ولد حزب الدعوة سراً ليحارب الثورة بحجة انها مؤامرة انجليزية وتضامن في ذلك مع الحزب الاخواني المجاز. صفحات مجيدة مرت على عراقنا في عهد الثورة وقبلها شهد العراق نهضات ثقافية نسائية واجتماعية ، نتحسر عليها اليوم بعد ان هيمن الفساد والكراهية الطائفية ، وجرى تهميش ومحاربة القوى والأحزابالتقدمية وشرائح المجتمع المدني . مر العراق بأيام مضنية تخللتها مآسي وكوارث مثل 8 شباط وحكم البعث، اما اليوم فقد حل الظلام والمرارة واليأس ، ورغم ذلك فأن نضالات تلك الاجيال وتضحياتهم ودماء شهدائهم يجب ان تلهم ما بقى من قوى حيّة وان تحفزها للعمل المنظم والجريء تحت شعارات الديمقراطية ومبدأ المواطنة والتماسك الشعبي. ومجداً لثورة 14 تموز العراقية ولشهداء الحركة الوطنية أجمعين.