في قراءتي الدقيقة للمقال المهم الذي استبق&به الرئيس الصيني شين&جين بينغ زيارته التاريخية مؤخراً إلى دولة الامارات، والذي نشرته الصحف الإماراتية والصينية ووسائل الاعلام العالمية على حد سواء، توصلت على استنتاجات عدة بعضها تحليلي سياسي، وبعضها الآخر معلوماتي ـ احصائي يصب في اتجاه فهم أعمق للاستراتيجية الصينية في بناء الشراكات والبحث عن المشتركات مع الدول الصديقة.

في المقال تحدث الرئيس الصيني عن سمات مهمة للمرحلة المقبلة، والخاصة بالمضي في تنفيذ مبادرته العالمية&"الحزام والطريق"، حيث اعتبر أن هناك&"مسيرة جديدة ومهام جديدة"&تتطلب قادة&"حازمين وشجعان"&من أجل بناء عالم أفضل.

من الواضح أن القيادة الصينية تدرك جيداً أن القيادة الرشيدة في دولة الامارات شريك مثالي في تنفيذ مبادرة القرن الصينية، حيث أشار الرئيس الصيني إلى التجاوب الذي لقيته مبادرته عربياً وخليجياً، وأشار إلى عمق اهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بهذه المبادرة، حيث أكد الرئيس الصيني أن سموه&"يتجاوب مع المبادرة برؤيته الثاقبة"، وأنه يعتبر&"طريق الحرير الجديد جسر جديد لتعزيز التواصل بين الصين والعالم العربي"، ليعلن الرئيس الصيني وفق هذه الرؤية أن هذا الطموح مشترك وان المبادرة إطار ضروري، وأن ما تحقق من تسارع ونمو على صعيد التعاون بين الامارات والصين لا يلبي طموحات الجانبين، وأن&"طموحنا أكبر من ذلك".

بدا الرئيس الصيني مستبقاً زيارته بوضع أهداف واضحة ودقيقة لها، فلم يكن الرجل الذي يتولى مسؤولية أكثر من مليار وثلاثمائة مليون من البشر ليقضي ثلاثة أيام في دولة الامارات من دون هدف استراتيجي كبير يعمل على تحقيقه، وهذا الهدف هو، كما وصفه في مقاله،&"خطة للتعاون وتحرير الإمكانات الكامنة، وتسريع وتيرة تطوير العلاقات الصينية الإماراتية"&وصولاً إلى إقامة&(مجتمع صيني إماراتي، له مصير مشترك من خلال مبادرة&"الحزام والطريق"، وبما يخدم مصلحة الشعبين بصورة أفضل).

إذاً عبارة&"يداً بيد"&التي تصدرت عنوان المقال لم تطلق من فراغ، بل هي تجسيد حي لهدف الزيارة ورؤية البلدين لما هو آت من تعاون مثمر، فهناك شراكة استراتيجية شاملة تم الاتفاق عليها، وهناك بناء للثقة بدا واضحاً وبشكل مدروس بعناية من خلال تفاصيل هذه الزيارة التاريخية، التي حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أن تكون أكثر من رسمية بروتوكولية لتضم زيارة عائلية للرئيس الصيني في جلسة عبر عنها سموه بالقول أنها&"لحظات أسرية جميلة ومميزة جمعتني وأبنائي وأحفادي مع فخامة الرئيس الصيني"&الذي وصفه سموه في تغريدته ب"الصديق العزيز"، في إشارة تعكس قوة العلاقات الشخصية بين القيادتين بما يسهم في نسج مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

وانطلاقاً من عمق حضاري كبير، حرص الرئيس الصيني على التأكيد بأن الشراكة لا يجب أن تقتصر على التعاون الاقتصادي والتجاري، بل يجب أيضاً&"تعزيز التعاون في مجالات الثقافة والتربية والتعليم والسياحة والشباب والإعلام، وبناء جسر للحوار والاستفادة المتبادلة بين مختلف الأديان والحضارات"&مشيراً إلى أن الجانب الصيني سيفتتح مركزاً للثقافة الصينية في أبوظبي، ويدعم دبي لاستضافة أول معرض إكسبو في الشرق الأوسط في عام&2020&بالمشاركة فيه.

إنها أيضاً شراكة ابتكار كما وصفها الرئيس بينغ، ترشدهما الممارسات الرائدة، انطلاقاً من ركيزة مهمة قال فيها&"نحن أمتان جريئتان رائدتان، تسعيان إلى التفوق، حيث يعمل الجانب الصيني على تطبيق استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار، فيما تعمل الإمارات على تطبيق الاستراتيجية الوطنية للابتكار، واستراتيجية الإمارات للطاقة&2050، وخطة تنفيذية من ستة محاور لترجمة توجهات الثورة الصناعية الرابعة، ويمكن للجانبين العمل مع بعضهما بعضاً، والاستفادة من بعضهما لتحقيق اختراقات أكبر في التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة والحديثة".

إنه العالم الجديد وسماته ومعطياته، والذي قال عنه الرئيس الصيني في مقاله&"يتدفق تيار العصر إلى الأمام، ويتطور العالم بتغيرات مستمرة"، وهذه التغيرات تمضي وفقا مفهوم صيني إماراتي للتطور، فالشعب الصيني يدرك منذ القدم أن الخير لا يأتي من تلقاء نفسه، بينما يدرك شعب الامارات&"أن السعادة تتطلب الكفاح، كما قال مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان".

فصل جديد من التعاون والكسب المشترك في العلاقات الإماراتية الصينية بشّر به الرئيس الصيني في مقاله الفريد، الذي لم يغفل أبداً مصلحة العالم ومستقبل الأجيال المقبلة في كل ما تحققه الدول من تعاون وتطور.