مخطئ من يظن إن تغيير النظام السياسي في إيران هو مطلب خارجي(إقليميا کان أم دوليا)، إذ أثبتت الاحداث والتطورات السياسية المختلفة وطوال العقود الاربعة الماضية بأنه لم يکن هناك أي مطلب&خارجي من هذا النوع بما في ذلك حتى إسرائيل ذاتها، فالمواقف کانت متذبذبة وضبابية وتميل للمساومة والمناورة والقيام بعقد صفقات وإتفاقات سرية أو علنية أو حتى ضمنية في ظل کل ذلك، بل إننا نرى على العکس من ذلك تماما، إن بلدان المنطقة والغرب بشکل خاص، هي من منحت ووفرت کل أسباب القوة والاستمرار للجمهورية الاسلامية الايرانية وحتى إنها کانت سببا في تغوله على شعبه وبطشه به.

تغيير النظام السياسي في إيران، هو مطلب داخلي، مطلب تبنته المعارضة الايرانية النشيطة والفعالة على الساحة ونقصد بها المقاومة الايرانية ودعت إليه بقوة، بل وإن المقاومة الايرانية عندما دعت مختلف قوى المعارضة الايرانية للإنضواء في"جبهة التضامن"التي إقترحتها في عام 2002، فإنها قد وضعت ثلاثة شروط للإنضمام الى هذه الجبهة؛ وهي إسقاط النظام برمته، وبقاء النظام الجمهوري وفصل الدين عن الدولة، ولايوجد طرف سياسي إيراني معارض أصر ويصر على إسقاط الجمهورية الاسلامية الايرانية کما هو الحال مع المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، ونقول هذا الکلام لأن له مايبرره وله علاقة بالسياق العام لمقالنا، إذ أن إنتفاضة 28 ديسمبر/کانون الاول 2017، التي إنطلقت من مدينة مشهد الدينية ومنها تم رفع شعارات&تنادي بإسقاط النظام، وشملت قرابة 140 مدينة في سائر أرجاء إيران، ربطت الجمهورية الاسلامية الايرانية على لسان أعلى سلطة فيها"الولي الفقيه خامنئي" بينها وبين منظمة مجاهدي خلق أقوى وأهم فصيل في المقاومة الايرانية.

أکثر شئ يلفت النظر وحتى يبعث على السخرية، إنه وفي الوقت الذي نجد فيه ترکيزا ملفتا للنظر في الخطاب الرسمي الايرانيعلى منظمة مجاهدي خلق والتحذير من دورها وتحرکاتها في داخل إيران عموما وفيما يتعلق بالانتفاضة والاحتجاجات الشعبية خصوصا، فإن هناك &سياق في الخطاب الإقليمي وحتى لدى بعض الاطراف الدولية يميل الى إقصاء دور مجاهدي خلق أو حتى إنکار ورفض أية علاقة لها بما يدور في داخل إيران، بحيث يسعون&للظهور&في بعض الاحيان وکأنهم أعلم بإيران من الإيرانيين أنفسهم، ونتساءل لماذا لايرکز النظام على أي طرف آخر في المعارضة الايرانية غير منظمة مجاهدي خلق طوال العقود الاربعة الماضية بصورة عامة وبعد الانتفاضة الاخيرة بصورة خاصة جدا جدا؟!

مع إن إنتفاضة عام 2009، کانت أکبر ضخامة من الانتفاضة الاخيرة، لکنها وبعد أن تمکنت السلطات الايرانية من إخمادها، لم تکن هناك تصريحات رسمية تعبر عن خوف وقلق النظام السياسي الايراني من السقوط، ولکن وبعد أن هدأت الانتفاضة الاخيرة، صارت تصدر تصريحات ومواقف رسمية إيرانية تحذر من سقوط النظام وإحتمال تکرار النموذج السوري في إيران، وهذا الکلام لاندري لماذا تمر عليه الاوساط السياسية في المنطقة والعالم مرور الکرام ولاتتأمل وتتمعن فيه بدقة؟&إذا کانت السلطات الايرانية قد أخمدت الانتفاضة الاخيرة کما تزعم، فما معنى خوفهم من السقوط، خصوصا وإنهم قد قاموا بتوضيح إن الخوف الاکبر للنظام ليس من الخارج"القابل للمساومة بحسب مواقف رسمية" وانما من الداخل"غير القابل للمساومة والتغيير"&فماذا يعني ذلك؟

هل کان هناك بعد إخماد إنتفاضة عام 2009، تحرکات ونشاطات إحتجاجية مکثفة بحيث تغدو بعض الاحيان کإنتفاضة في رقعة جغرافية کبيرة نسبية کما حدث في إنتفاضة المزارعين في إصفهان وإنتفاضة مدينة کازرون وإنتفاضة الاهواز مٶخرا؟ لماذا تستمر الاحتجاجات الشعبية الايرانية&منذ 28 ديسمبر/کانون الاول2017 ولحد يومنا هذا دونما إنقطاع؟ هناك حقيقتان مهمتان لامجال لتجاهلهما وتخطيهما وهما؛ إن المقاومة الايرانية قد صارت الناطقة بلسان الانتفاضة، وهي التي تطرح بقوة بمثابة البديل الديمقراطي للنظام، وقد کان التجمع السنوي العام للمقاومة الايرانية في 30 من حزيران الماضي مصداقا لذلك وهو التجمع الذي قامت السلطات بأکبر مغامرة ومجازفة غير مسبوقة من أجل القيام بعملية إرهابية ضدها، عملية إختلفت عن سائر العمليات السابقة حيث کانت تستعين بعناصر من حزب الله اللبناني ولاتجازف بعناصر إيرانية ولکن العملية الاخيرة التي کان عقلها المدبر"أسدالله أسدي" السکرتير الثالث في السفارة الايرانية في النمسا، فإن معظم المشارکين فيها کانوا إيرانيين، فما عدا مما بدا؟! وإذا لم يکن هذا التجمع يشکل خطرا وتهديدا جديا على النظام فمالذي يدعوه ويدفعه لإستهدافه بهذه الصورة؟

ونعود لموضوع التغيير في إيران وإحتمال سقوط النظام والذي من الملفت للنظر إن القادة والمسٶولين الايرانيين هم من بادروا لإثارته وطرحه، والاکثر إلفاتا ليس للنظر وانما حتى الملاحظة والتمعن، إن هناك أوساطا سياسية وإعلامية دولية وإقليمية بدأت وبصورة متزامنة مع طهران بطرح هذا الموضوع والتطرق له، ويبدو أن الذي يکاد أن يجمع بين کل ذلك"سواءا کان عن قصد أو من دون ذلك"، هو&الترکيز على بقاء النظام أفضل من سقوطه، فسقوطه سيسبب کارثة للمنطقة فتصبح بلدان الخليج معرضة لزرافات من اللاجئين الايرانيين الفارين من الجحيم الذي إستعر في إيران بعد سقوط الجمهورية الاسلامية الايرانية، ويبدو إن حديث التغيير في إيران قد صار وفق سياق القول العراقي المأثور"تريد أرنب أخذ أرنب تريد غزال أخذ أرنب"، بمعنى إن کل الخيارات المتاحة للتغيير في إيران تقود لمحطة"الجمهورية الاسلامية الايرانية" ذاتها، فهل&ستنجح هذه اللعبة التي وضعت طهران بنفسها قواعدها الاساسية وتخرج الجمهورية الاسلامية الايرانية من بين تلال ورکام کل تلك الجرائم والمجازر والجرائم التي إرتکبتها بحق الشعب الايراني وشعوب المنطقة"سالمة غانمة" وکأن شيئا لم يکن؟ قطعا هذا التصور والاستنتاج ليس بمنطقي إطلاقا وللحديث صلة.