إسماعيل دبارة من تونس: أجمع عدد كبير من المتابعين في تونس على توصيف الأحكام الصادرة ليل الخميس - الجمعة الماضي بحقّ أبرز قيادات الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت يناير الماضي في منطقة الحوض المنجمي بـquot;القاسية و الاّمتوقعةquot;. وكانت محكمة الجنايات في محافظة قفصة (330 كيلومتر جنوب غرب العاصمة تونس) قررت سجن سبعة من قيادي الاحتجاجات و هم من النقابيين المعروفين بالجهة (على رأسهم عدنان حاجي الناطق الرسمي باسم المحتجين) عشرة أعوام وشهرا واحدا، فيما قررت سجن عشرة آخرين ستة أعوام وأربعة آخرين أربعة أعوام ونال خمسة متهمين عامين مع إرجاء التنفيذ، في حين أخلت ذات المحكمة سراح ثمانية بعدما برأتهم من التهم المنسوبة لهم.

محامو المتهمين قالوا إنّ المحاكمة التي انطلقت جلستها الأولى الخميس قبل الماضي quot;دارت في أجواء من التوتر الشديد إذ شهدت عدة خلافات و مشادات بين المحكمة والدفاع خلال عدد من الجلسات خصوصا لدى مباشرة القاضي استنطاق المتهمينquot;. وطلب المحامون إفساح المجال أمامهم لتقديم الطلبات الشكلية والمتعلقة أساسا بعرض ستة عشر متهما على فحوص طبية بناء على تصريحات مُدونة في المحاضر تُفيد تعرضهم لسوء معاملة أثناء الاستنطاق. إلا أن القاضي لم يتجاوب مع رغبة الدفاع فأعلن المتهمون أنهم سيُحجمون عن الرد على أسئلة المحكمة، ما حمل القاضي على رفع الجلسة بعد نحو ساعة فقط من انطلاقها.

أكثر من سبعين محاميا أعلنوا عزمهم الترافع عن المتهمين في المحاكمة التي تُعتبر الأكبر في نوعها منذ تسعينات القرن الماضي، و حضرها مراقبون من المغرب والجزائر وفرنسا.وتتهم السلطات النقابيين بوقوفهم وراء التحريض على المظاهرات والإعتصامات في منطقة الحوض المنجمي مطلع العام الجاري في أعقاب الإعلان عن نتائج مناظرة لانتداب عمال وموظفين لشركة الفوسفات المُشغل الرئيسي في المنطقة.

واعتبر المتظاهرون أن الانتداب لم يكن شفاف بالمرّة وخضع للمحسوبية والرشوة في منطقة ترتفع نسبة البطالة فيها إلى نحو ثلاثين في المائة من السكان. وأدت المصادمات مع قوات الأمن إلى سقوط أكثر من قتيل وعدد من الجرحى في السادس من حزيران (يونيو) الماضي في مدينة الرديف، ما استدعى تدخل الجيش في أكثر من مناسبة.

ردود الفعل تواترت مندّدة بالأحكام و إقحام القضاء لترويع المحتجّين على تفاقم البطالة. وقال النائب في البرلمان التونسي عن حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا)عادل الشاوش في تصريح لإيلاف إنّ quot;الأحكام كانت في منتهى القسوة في حق المناضلين الموقوفين على إثر التحركات الاجتماعية التي خاضها مواطنو الحوض المنجمي دفاعا عن حقهم المشروع في الشغل والعيش الكريمquot;.

الشاوش قال أيضا إنّ المحاكمة جرت دون توفر أدنى شروط العدل والإنصاف حيث هضمت فيها حقوق المتهمين وحقوق الدفاع ورفضت هيئة المحكمة جل مطالب المحامين المتعلقة بضرورة الاستماع إلى الشهود واستكمال الأبحاث وعرض المتهمين على الفحص الطبي والنظر في حالات انتزاع الاعترافات بوسائل الضغط والتعذيبquot; ، مضيفا إنّ مثل هذه التجاوزات، التي أجمع المحامون على خطورتها والتي من شأنها أن تشكك في مصداقية القضاء وحياده، تستوجب إعادة النظر في القضية برمتها طبقا لمبادئ حقوق الإنسان واستقلال القضاء والتراتيب الضامنة لحقوق المتهمين بعيدا عن كل توظيف للقضاءquot;.

وعبّر النائب عن استياء حركة التجديد الشديد لهذه الأحكام القاسية التي سلطت على مواطنين ليسوا فقط أبرياء مما نسب إليهم من تهم، بل هم مناضلون لعبوا دورا مسؤولا في تأطير الحركة المطلبية وتفاوضت معهم السلط الجهوية والوطنية، معتبرا الأحكام quot;ذات صبغة سياسية واضحة تمثل تصعيدا لا مبرر له في قضية كان من الأجدر معالجتها معالجة رصينة بمنأى عن التشنج والتوترquot;.

وطالب بالتخلي عن quot;الأساليب القمعية والعمل على تحقيق الانفراج بإطلاق سراح جميع المعتقلينوإرجاعهم إلى سالف عملهم وإقرار مناخ ملائم للحوار على الصعيدين الجهوي والوطنيquot;.

عصام الشابي الأمين العام المساعد للحزب الديمقراطي التقدّمي المعارض قال لإيلاف إنّ كل المتابعين للمحاكمة ولسان الدفاع أجمعوا على افتقادها شروط المحاكمة العادلة وقد شكّلت سابقة خطرة في تاريخ القضاء التونسي من حيث انتهاك حقوق الدفاع والتسرّع في إصدار أحكام وصلت إلى العشر سنوات نافذة من دون استنطاق المتهمين أو الاستماع إلى دفاعهم، وفي مناخ اتّسم بضرب حصار أمني على مقر المحكمة ومنع ممثلي الأحزاب والجمعيات الأهلية من حضور أطوارها بلغت حد الاعتداء اللفظي والمادّي عليهم.

وقال الشابي إنّ الحزب الديمقراطي التقدمي الذي سبق أن ساند الحركة الاحتجاجية لمواطني الحوض المنجمي وطالب السّلط في أكثر من مناسبة بالاستجابة لمطالبهم المشروعة والتخلي عن المعالجة الأمنية وإقحام القضاء في الخلافات السياسية وطالب بالإفراج عن كل المعتقلين، ينبه اليوم مرة أخرى إلى خطورة توظيف القضاء في الخصومات السياسية ، مناشدا القضاة القيام بدورهم بعيدا عن كل تأثير والتمسك باستقلال القضاء باعتباره ركنا أساسيا في المحافظة على السلم الأهلية.

وقال:quot;لا مخرج من المأزق الذي دفعت السلطة البلاد إليه سوى بإجراءات تتدارك تبعات هذه المحاكمة غير المسبوقة وتنفّس الاحتقان وتحقق الانفراج المنشود بوضع حد للمحاكمات السياسية ومحاصرة نشاط الأحزاب والجمعيات المستقلّة وسن العفو التشريعي العامquot;.

الدكتور المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية المعارض قال لإيلاف إنّ حزبه يدين بشدّة الأحكام الجائرة بحقّ مناضلي الحوض المنجمي مشيرا إلى أنّ الأستاذ عبد الرؤوف العيادي نائب رئيس quot;حزب المؤتمرquot; كان احد المدافعين عن المتهمين في قضايا الحوض .

و ذكر أنّ المحاكمة أثبتت أنه quot;لا جديد في أساليب الدولة البوليسية ولا جديد في انتهاك أبسط حقوق الدفاع و لا جديد في استغلال جهاز العدالة لتشريع الظلم quot;و إنما الجديد هو quot; الشعار الذي رفعه الأبطالquot; فهم لم يرفضوا فقط الوقوف أمام quot; القضاةquot; ولم يرفضوا فقط استنطاقهم وإنما رفعوا شعار المرحلة وهو الثبات، الثبات ضدّ حكم المافيات على حدّ تعبيره.

و اعتبر المرزوقي المقيم في باريس إن المحاكمة هي مجرّد حلقة أخرى من حلقات قمع استبداد سنتذكره يوما كمن يتذكر كابوسا طويلا و يتابع:quot; في أواخر التسعينات رفعنا شعارquot; لا خوف بعد اليومquot;،ثم شعار quot; حقوقنا نمارسها ولا نطالب بهاquot; لم نكتف برفع الشعارين وإنما تصدينا للخوف وبنينا مؤسسات لم نطلب رخصتها من أحد وقلنا في الدكتاتور ما لم يقله مالك في الخمرة ودفعنا الثمن ولم نندم واليوم يجب مواصلة الطريق.

أما الحقوقي زهير مخلوف فقال لإيلاف إنّ كثيرا من الإخلالات والتجاوزات أحاطت بكامل أطوار المحاكمة ، حيث لم يُمنح المحامون الوقت الكافي للترافع ودراسة ملف القضية الذي ناهز الخمسمائة صفحة ، وقد شاب البحث الابتدائي تناقضات وكثير من الخروقات وتلفيق التهم و تعرض الموقوفون أثناء التحقيقات إلى التعذيب الوحشي وانتزعت منهم اعترافات باطلة ورافق انعقاد جلسة المحاكمة إجراءات أمنية مشددة، حالت دون التحاق عائلات المتهمين وبعض المناضلين الحقوقيين والسياسيين بمحافظة قفصة فضلا عن قاعة الجلسة ، وتعرض الكثير منهم إلى الاعتداء و التعنيف.

و يقول مخلوف إنّ الحرية لم تتح للمتهمين في الاستنطاق حيث أرهبوا وعنّفوا ، ولم يقع عرضهم على الفحص الطبي بعد تشكيهم من تعرضهم للتعذيب، كما لم يقع استدعاء الشهود و لا ننسى كذلك أنّ المحاكمة جرت في ظل تعتيم إعلامي كامل من قبل وسائل الإعلام الرسمية و غير الرسمية .

زهير مخلوف قال إنه يسجّل بارتياحquot; الموقف المشرف لهيئة الدفاع التي وقفت موقفا مشهودا في الترافع عن المعتقلين ، وقد وصلت إعلامات النيابات المقدمة في القضية إلى 83 إعلاما ،كما سجّل أيضا quot;الموقف المشرف للمركزية النقابية التي ردّت الاعتبار للنقابيين المعتقلين برفع التجميد الذي قررته بحقهم سابقاquot;.

منظمة صوت حرّ (مقرّها سويسرا) ندّدت من جهتها بما سمته quot;توظيف القضاء من طرف النظام التونسي لإخماد أي معارضة أو احتجاج سلمي ذي طبيعة اجتماعية أو سياسية ، وطالبت المنظمة الحقوقية في بيان لها مررت لإيلاف نسخة منه بالتسريح الفوري وغير المشروط لكل معتقلي الحوض المنجمي ومساجين الرأي مناشدة كل أصحاب الضمير والمدافعين عن حقوق الإنسان العمل من أجل وضع حد للمحاكمات السياسية في تونس.

إذن صدر الحكم الابتدائي على رموز احتجاجات قفصة، المركز الرئيسي لإنتاج الفوسفات الذي تحتل تونس الرتبة الرابعة بين منتجيه العالميين، و بالتالي يبقى المجال مفتوحا أما استئناف ومن ثمة حكم التعقييب (التمييز) مما يعني بقاء الباب مفتوحا أمام عدد من السيناريوهات التي لن تنفي مهما تباينت أنّ قفصة الجنوبية كانت محور صراع سياسي و اجتماعي هذا العام ، بين نظام لم يألف هذا النوع من الاحتجاجات الحادّة و طويلة النفس إذ حاول منذ اندلاع الأزمة تطويقها بشتى السبل الأمنية منها و القضائية و حتى إغداق المساعدات و القرارات و الإجراءات المعتبرة- أحيانا - في سبيل امتصاص غضب المحتجين و توفير جزء من مطالبهم ، و بين معارضة وجدت في انتفاضة الحوض المنجمي فرصة ملائمة للانقضاض على خيارات الحكومة فيما يتعلق بسوء توزيع الثروات و غياب الشفافية و تنامي الفساد و تدهور استقلالية القضاء.

مُحللون اعتبروا في قسوة الأحكام الصادرة بحقّ رموز الاحتجاجات تخوّفا صريحا من قبل السلطات من انتقال الاحتقان إلى محافظات داخلية أخرى ترتفع نسب البطالة فيها إلى مستويات أعلى من المتوسط الوطني، الذي تُقدره الحكومة بـ15 في المائة فقط، وخاصة بعد اندلاع اضطرابات في بلدة quot;فريانةquot; التي تقع في محافظة القصرين المجاورة لقفصة، لكن تم تطويقها سريعا.في حين ذهب آخرون إلى اعتبار أنّ العصا الغليظة الحاضرة في أزمة الحوض المنجمي تحمل بين ثناياها رسائل واضحة من الحكومة مفادها أنّ الاحتجاج بهذا الشكل لم يحن موعده بعد ، و أنّ المعركة بين النظام و المعارضة لن تخرج في مجملها عن المربع الحقوقيّ الضيق الذي رسمته الحكومة لمُعارضيها في السابق و لن تسمح لهم بتجاوزه الآن و العبرة حاصلة بالأحكام الثقيلة لمن سيخالف ذلك.

أما منظمات المجتمع المدني المستقلة و بعض أحزاب المعارضة ، فالذهول كان غالبا على ردّات الفعل المحتشمة الصادرة عنها ، إذ أنّ أحكاما ثقيلة بهذا الشكل لم تخطر على بالها قطّ خصوصا و أنّ البلاد مقبلة على سنة انتخابية هامة تقتضي حسب المراقبين شيئا من الانفتاح و الانفراج.

و في مايلي أهم الأحكام الصادرة على رموز احتجاجات الحوض المنجمي:

عدنان الحاجي (الناطق الرسمي باسم المحتجين): 10 سنوات وشهر واحد نافذة
البشير عبيدي : 10سنوات وشهر واحد نافذة
الطيب بن عثمان : 10 سنوات وشهر واحد نافذة
طارق حليمي :10سنوات وشهر واحد نافذة
عادل جيار : 10 سنوات وشهر واحد نافذة
حسن بن عبد الله : 10 سنوات وشهر واحد غيابيا
ماهر فجراوي : 10 سنوات وشهر واحد غيابيا

فيصل بن عمر : 6 سنوات وشهر واحد نافذة
سامي بن أحمد : 6سنوات وشهر واحد نافذة
هارون الحليمي : 6 سنوات وشهر واحد نافذة
غانم شريطي : 6سنوات وشهر واحد نافذة
مظفر العبيدي : 6 سنوات وشهر واحد نافذة
رضا عز الدين : 6 سنوات وشهر واحد نافذة
عبد السلام الهلالي : 6 سنوات وشهر واحد نافذة
عبيد خلايفي : 6 سنوات وشهر واحد نافذة
رشيد عبداوي (بحالة سراح) : 6 سنوات وشهر واحد
الفاهم بوكدوس : 6 سنوات غيابيا مع النفاذ العاجل

بوبكر بن بوبكر : 4 سنوات وشهر نافذة
حفناوي بن عثمان : 4 سنوات وشهر نافذة
محمود الردّادي : 4 سنوات وشهر نافذة
الهادي بوصلاحي : 4 سنوات وشهر نافذة

محي الدين شربيب : سنتان غيابيا مع النفاذ العاجل
معاذ أحمدي (بحالة سراح ) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
عبد الله فجراوي (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
محمد البلدي (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
رضوان بوزيّان (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
عثمان بن عثمان (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
محمود هلالي (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
محسن عميدي (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
مكرم ماجدي (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
رضا عميدي (بحالة سراح) : سنتان مع تأجيل التنفيذ
عصام فجراوي : سنتان مع تأجيل التنفيذ
ثامر المغزاوي : سنتان مع تأجيل التنفيذ

بوجمعة شريطي : عدم سماع الدعوى
حبيب خذيري : عدم سماع الدعوى
لزهر بن عبد الملك : عدم سماع الدعوى
علي الجديدي : عدم سماع الدعوى
إسماعيل الجوهري : عدم سماع الدعوى