وسط أجواء مفعمة بالود والتقدير انعقدت القمة السعودية ndash; السورية في دمشق التي جاء إليها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للمرة الأولى بعد تنصيبه ملكاً ، منهياً قطيعة استمرت ما يقارب الأربع سنوات تصاعد الخلاف خلالها بين العاصمتين حتى بلغ الذروة إبان حرب يوليو ndash; تموز الإسرائيلية على لبنان. وخلافاً لما تردد، من ان لبنان سيكون حاضراً على جدول اعمال القمة كبند رئيس فقد اكدت مصادر ايلاف ان الموضوع الفلسطيني استأثر على الحيز الاوسع من المباحثات.
بيروت: quot;حين نذكر اسم جلالة الملك عبد الله فالجميع يعلم انه الملك العروبي الذي يؤمن بالعروبة والتنسيق العربيquot; .
بهذه الكلمات المعبرة خاطب الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد ضيفه الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي رد على مضيفه قائلاً quot; إن العلاقات السورية السعودية لها تاريخ عريق وطويل ومتميز من التعاون والتنسيقquot;.
وأعقب ذلك تبادل الأوسمة الوطنية بين القائدين العربيين حيث قلد الرئيس الأسد الملك عبد الله وسام أمية ذا الوشاح الأكبر الذي يعد أعلى وأرفع وسام وطني في سوريا ، في حين قلد خادم الحرمين الشريفين الرئيس السوري قلادة الملك عبد العزيز وهي أعلى وأرفع وسام في المملكة العربية السعودية.
وسط هذه الأجواء المفعمة بالود والتقدير والاحترام انعقدت القمة السعودية ndash; السورية في دمشق التي جاء إليها العاهل السعودي للمرة الأولى بعد تنصيبه ملكاً ، منهياً بهذه الزيارة التي استمرت يومين قطيعة استمرت ما يقارب الأربع سنوات تصاعد الخلاف خلالها بين الرياض ودمشق حتى بلغ الذروة إبان حرب يوليو ndash; تموز الإسرائيلية على لبنان نتيجة للمواقف المتباعدة بين الجانبين حول هذه الحرب ونظرة كل منهما إليها وما صدر حينها من تصريحات وصل بعضها إلى التجريح الشخصي .
ولقد عقد كل من الملك عبد الله والرئيس الأسد العزم على طي صفحة الماضي والتطلع نحو المستقبل واستعادة ما كانت عليه العلاقات السعودية والسورية من تعاون وتنسيق أديا في العديد من المحطات إلى حل الأزمات والمشاكل التي عانت منها أكثر من دولة عربية . وهذا بدا واضحاً في كلمات الترحيب السابقة حيث أتى الزعيمان على ذكر هذه العبارة التي رأت فيها أوساط مطلعة على أجواء القمة بأنها شكلت عنواناَ رئيساً لها فتح الباب واسعاً أمام طرح سائر القضايا الأخرى بدءاً من الموضوع الفلسطيني وتعثر عملية السلام ، مروراً بالوضع في العراق وفي لبنان بالإضافة إلى العلاقات مع إيران وما يجري في اليمن .
الملك عبد الله لدى وصوله الى الرياض قادما من دمشق |
هذا وجاءت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز في توقيت عزيز على قلوب السوريين خاصة والعرب عامة ، حيث تزامنت مع احتفال سوريا بالذكرى السادسة والثلاثين لحرب تشرين المجيدة يوم وُفق الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الراحل أنور السادات بانجاز quot;العبور العربيquot; من الهزيمة إلى النصر وإسقاط مقولة quot;الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهرquot; ، ولاقاهم في ذلك الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الذي شهر سلاح النفط في وجه الغرب وحقق بذلك تضامناً عربياً نموذجياً طالما افتقدته الأمة العربية بعد ذلك .
على وقع ذكريات هذه الحرب استقبلت سوريا الرسمية والشعبية خادم الحرمين الشريفين بفرح وغبطة، وعادت بها الذاكرة إلى ما كان يربط الرئيس حافظ الأسد وولي العهد السعودي الأمير عبد الله، قبل ان يصبح ملكاً ، من علاقة أخوية مميزة لا تعير اهتماماً لبروتوكول او ترتيبات،حيث كان الأول يحرص على استقبال الثاني في المطار كرئيس دولة تقام له المراسم كاملة من عزف للنشيدين الوطنيين السوري والسعودي واستعراض لحرس الشرف . وهذا ما سار عليه الرئيس بشار الذي قدر عالياً كما الشعب السوري وقوف الأمير عبد الله الى جانبه لحظة وفاة والده ومكوثه اياماً في دمشق .
معاً مجدداً وقف الملك عبد الله ليشد على يد الرئيس بشار معاهدين على الارتقاء بالعلاقات بين البلدين الى اعلى درجات التكامل وفتح آفاق جديدة للتعاون لمواجهة التحديات التي تواجه العرب وخاصة في فلسطين المحتلة والقدس الشريف . كما جرى التفاهم على أهمية تطوير العلاقات العربية ومتابعة الجهود المبذولة في سبيل تعزيز العمل العربي المشترك خدمة لمصالح الأمة العربية وقضاياها المحقة، خصوصاً أن جميع دول العالم تسعى إلى تكتلات إقليمية تعطي لموقعها وزناً على الساحة الدولية بينما ما زال العرب يعانون من فرقة وانقسام في المواقف الأمر الذي يضعفهم جميعاً .
وذكرت المصادر المطلعة على محادثات القمة أن الجانب السوري اعرب عن تقديره للدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في اصلاح البيت العربي ، منوهاً بالمبادرة الطيبة التي اطلقها خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت حين دعا الى طي صفحة الخلافات العربية ndash; العربية ، ومسارعة سوريا الى الاستجابة لها وتفعيلها .
واكدت هذه المصادر ان الموضوع الفلسطيني استأثر على حيز واسع في مباحثات القمة طغى على الملفات الأخرى ، خصوصاً بعد ارجاء مناقشة تقرير غولدستون الخاص بتقصي الحقائق في الحرب الإسرائيلية على غزة ، وما أثار من ردود فعل واسعة في الداخل الفلسطيني وفي العالم العربي ، واستمرار اسرائيل في تعدياتها على المسجد الأقصى والقدس الشريف . وفيما اعرب الجانبان السعودي والسوري عن قلقهما من تعثر عملية السلام نتيجة التعنت الإسرائيلي والتردد الاميركي في اتخاذ موقف حاسم بهذا الشأن، ذكرت المصادر المطلعة أن خادم الحرمين الشريفين كرر القول إن مبادرة السلام العربية التي اطلقها في قمة بيروت عام 2002 لن تبقى الى الأبد مضيفاً ان الوقت بدأ ينفذ بالفعل . وفي هذا الاطار شدد الزعيمان العربيان على تضافر الجهود لرفع الحصار اللا إنساني المفروض على الفلسطينيين وعلى ضرورة اتخاذ الخطوات التي تصون الحقوق العربية وتلاحق ما يرتكب بحقها من اجرام ، مؤكدين تعزيز العمل العربي المشترك واستمرار التشاور والتنسيق بين البلدين على جميع المستويات .
وخلافاً لما تردد ، خصوصاً في وسائل اعلام لبنانية وعربية ، من ان لبنان سيكون حاضراً على جدول اعمال القمة كبند رئيس فقد تبين ان البحث في الموضوع اللبناني تم في سياقه الطبيعي وبعد تناول المسألة العراقية وقبل التطرق إلى الشأن الإيراني .
وأفادت المصادر نفسها أن القيادتين السعودية والسورية شددتا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية معربتين عن أملهما في التوصل الى حكومة وحدة وطنية وضرورة حصول ذلك، في إشارة إلى رفضهما مطلب قوى في 14 آذار تشكيل حكومة من الأكثرية .
وفي هذا الإطار أفادت المصادر المطلعة ان الجانب السوري أبدى استياءه من محاولات البعض في لبنان وخارجه إظهار القمة السعودية ndash; السورية وكأنها مخصصة لمعالجة القضية اللبنانية وفي ذلك تحجيم لها ، فيما الواقع إن ما يميز هذه القمة هو شموليتها أي تناولها لجميع القضايا والمواضيع التي تشغل العالم العربي مع التركيز على تطوير العلاقات السعودية ndash; السورية واتمام المصالحات العربية وتعزيز التضامن العربي .
كذلك استغربت هذه الاوساط ما اشيع قبل ساعات من وصول الملك عبد الله بن عبد العزيز الى دمشق عن ان برنامج الزيارة يتضمن زيارتين واحدة الى حلب للمشاركة في احتفال جماهيري بمناسبة ذكرى حرب تشرين ، وثانية الى اللاذقية . ورأت ان إذاعة مثل هذه الأخبار ربما يهدف الى quot;التشويشquot; على الزيارة للقول فيما بعد ان عدم حصول الزيارتين دليل على رغبة العاهل السعودي باختصارها احتجاجاً على quot;أمر ماquot; لتبدأ بعد ذلك المخيلات والفبركات بنسج الأكاذيب على أنواعها.
ومهما يكن من أمر فقد أعرب الجانبان السعودي والسوري عن ارتياحهما التام للزيارة ونتائجها وقد بدا ذلك واضحاً على جميع من شارك فيها، خصوصاً إعفاء الوفد السعودي الرفيع المرافق للملك عبد الله والوزراء السوريين . وما عبر عنه وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة بوصفه القمة بـquot;التاريخيةquot; وتوقعه حل العديد من مشاكل المنطقة بعدها، نطق بمثله وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي أضاف قائلاً : quot; إن العلاقات السورية ndash; السعودية علاقات أخوية ، وإن كان هناك بعض الغيوم فهي غيوم صيف وبضع قطرات من المطر كافية لتبدو زرقاء صافية وسنعود للعمل سويةً على استقرار المنطقة quot;.
التعليقات