بعد 5 سنوات على نهبه وإستعادة 6 آلاف قطعة أثرية مسروقة
أمن المتحف الوطني العراقي يثير خلافات رسمية حول إفتتاحه
إعادة ترميم مقتنيات المتحف الوطني العراقي
أسامة مهدي من لندن: أثارت خلافات رسمية عراقية بين وزارتي السياحة والآثار والثقافة حول أمن المتحف الوطني العراقي الذي يعتبر الأهم في العالم، شكوكًا حول موعد اعادة افتتاحه بعد 5 سنوات من إغلاقه، إثر عمليات النهب التي تعرضت لها مقتنياته الاثرية التي لا تقدر بثمن، وطالت 15 ألف قطعة منها بعد دخول القوات الاميركية الى بغداد في نيسان (ابريل) عام 2003 وتمت استعادة 6 الاف قطعة منهاحتى الآن. فبعد أن أكد وكيل وزارة الثقافة العراقية جابر الجابري تأجيل اعادة افتتاح المتحف الوطني في بغداد حتى استكمال تنظيم القطع الاثرية وترتيب الوضع الامني المحيط بالمتحف ادلى مستشار وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار بهاء المياحي استغرابه من تصريحات الجابري هذه حول تأجيل موعد الافتتاح، مؤكدًا بذل جهود لإتمام ذلك في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، كما جاء في بيانين صحافيين رسميين استلمتهما quot;ايلافquot;.
وأكد البيان الصحافي الاول ان وزارة الثقافة قررت تأجيل افتتاح المتحف الوطني في بغداد حتى استكمال تنظيم القطع الاثرية وترتيب الوضع الامني المحيط بالمتحف. ونقل عن وكيل الوزارة جابر الجابري قوله إن إعلان وزارة الدولة لشؤون السياحة والاثار عن افتتاح المتحف كان متسرعًا وغير مدروس. وأضاف أن المتحف لم يؤهل بشكل كامل، موضحًا أنه تحول إلى مخزن كبير للقطع الاثرية التي استعادها العراق من الخارج وهي تحتاج إلى ترتيب وتنظيم للحفاظ عليها. وأضاف أن افتتاحه في الموعد الذي حددته وزارة الدولة لشؤون السياحة والاثار في الثالث والعشرين من الشهر الحالي انما يهدد القطع الاثرية التي لا تقدر بثمن. وأكد الوكيل ان وزارته هي الاحق بتأهيل المتحف وافتتاحه وحمايته.
ثم عادت وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار فنفت في بيان اخر نقله المركز الوطني للاعلام التابع لمجلس الوزراء quot;لأنباء التي تواردت عن تأجيل موعد افتتاح المتحف الوطني العراقيquot;. وأبدى مستشار وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار بهاء المياحي استغرابه من تصريحات الجابري حول تأجيل موعد الافتتاح. وأكد ان الوزارة تبذل جهودًا لإعادة افتتاح المتحف في الموعد المحدد له في 23 من الشهر الحالي quot;وبدعم مباشر من رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير الثقافةquot; كما قال. واشار الى انه تم توجيه دعوات الى الوزراء في الحكومة والى مسؤولين عرب واجانب لحضور حفل الافتتاح.
وسبق لأكثر من مسؤول عراقي ان اكد مؤخرًا انه سيتم خلال الشهر الحالي افتتاح المتحف الوطني الذي يضم قطعًا أثرية لا تقدر بثمن كانت قد تعرضت للنهب خلال الفوضى التي عمت البلاد عقعقب الحرب عام 2003 حيث تمثل إعادة افتتاح المتحف المنتظرة منذ فترة طويلة مرحلة مهمة في جهود الحكومة لإستعادة القطع الاثرية والحفاظ على المواقع الأثرية بعد خمسة اعوام من السرقة والدمار والعنف. ويوصف العراق بأنه موقع quot;مهد الحضارةquot; وهي المنطقة بين نهري دجلة والفرات كما اعتبر نهب الآثار التي يعود تاريخ بعضها إلى آلاف السنين مأساة للعراق والعالم.
واجهة المتحف الوطني العراقي في بغداد |
واكد الجبوري إن العراق يحاول تشجيع اعادة القطع المسروقة ويعرض مكافآت كما يتعهد بعدم توجيه اتهامات بشأن القطع الأثرية التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني. واشار الى انه يتم استعادة القطع المسروقة من خلال السفارات العراقية في أنحاء العالم على أمل تعقب قطع أخرى سرقت قبل أو بعد عام 2003 بسبب ضعف الحماية. وقال إن العراق حصل على تمويل او خبرات من الولايات المتحدة وايطاليا لترميم مواقع أثرية وبناء مراكز للتدريب وللحفاظ على الاثار. وقدمت واشنطن 13 مليون دولار للمساعدة في تجديد المتحف و700 ألف دولار لإصلاح أضرار ألحقتها قوات التحالف بمدينة بابل القديمة (100 كم جنوب بغداد).
وتتم حاليًا عمليات الانتهاء من نصب منظومة حماية الكترونية للمتحف ومحتوياته كما قال الناطق باسم زارة الثقافة عبد الزهرة الطالقاني. وقد شكلت اللجنة العليا لدراسة التقارير المتعلقة بواقع الاثار والوثائق لجانا فنية متخصصة لجرد الاثار والمخطوطات واعتماد قاعدة بيانات الكترونية متطورة لحفظ الموجودات الاثارية. وذكر مصدر في الأمانة العامة لمجلس الوزراء اليوم أن اللجنة التي يرأسها وزير الدولة لشؤون السياحة والآثار قحطان الجبوري عقدت سلسلة اجتماعات بعد أن وجدت حاجة محتويات المتحف العراقي ومخازنه ومخطوطاته إلى عمليات جرد بحسب الاصول العلمية المتبعة دوليا للحد من عمليات تهريب الاثار العراقية وتنظيم عملية استرجاع ما سرق وهرب منها وذلك بالتعاون مع المتاحف العالمية.
وتم تشكيل لجنة فنية مشرفة على عملية الجرد برئاسة رئيس الهيئة العامة للاثار والمتاحف وعضوية ثلاثة مدراء عامين منها ولجنة تصميم بطاقة الجرد و16 لجنة جاردة بعضوية اربعة متخصصين لكل منها. وأكد الوزيرالجبوري أنه تم الانتهاء من المرحلة الاولى من تأهيل المتحف الوطني بسقف زمني بسيط موضحا أن هذه المرحلة شهدت الانتهاء من بناء شبكة الكترونية داخلية وتنصيب ستة برامج معتمدة دوليا فضلا عن قاعدة للبيانات وتدريب كوادر الهيئة العامة للاثار والتراث على استعمال قاعدة البيانات هذه.
ومن جهتها، اكدت أميرة عيدان مديرة المتاحف في العراق الى أن ستة آلاف قطعة أثرية من أصل 15 ألف قطعة مسروقة قد أعيدت إلى المتحف الوطني. واشارت الى تعاون الكثير من البلدان في إعادة الآثار المسروقة باستثناء إيران وتركيا. وأوضحت أن من بين القطع الأثرية التي جرى استعادتها (الموناليزا السومرية) أو سيدة الوركاء وهي رأس حجري لسيدة ترجع إلى خمسة آلاف عام عثر عليها مدفونة بفناء في بغداد. وقالت إن من كنوز المتحف الفاتنة والمخفية عن الأنظار كنوز النمرود التي اكتشفت في شمال العراق وتعدّ تلك الكنوز إلى جانب مقبرة توت عنخ آمون في مصر من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين.
وبالترافق مع هذه الاستعدادت لاعادة افتتاح المتحف فقد أعربت مجموعة من علماء الآثار العالميين عن تحفظها على إعادة الافتتاح قريبًا، وعدوا ذلك مجازفة قد تعرض الاثار للخطر. واشار هؤلاء العلماء وهم من اصول عراقية في رسالة وجهوها الى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس لجنة الثقافة في مجلس النواب مفيد الجزائري ووزير الدولة لشؤون السياحة والآثار قحطان الجبوري الى انهم ليسوا ضد فكرة إعادة افتتاح المتحف العراقي إلا أن مثل هذه الأعمال يجب أن تسير وفق المعايير الدولية لعلوم المتاحف والصيانة الأثرية. واضافوا ان افتتاح أي متحف ليس ببساطة فتح الأبواب فتهيئة المجاميع الأثرية في المتاحف تتطلب على الأقل سنة كاملة من العمل الدقيق والمتأني حتى إن كان ذلك في أفضل الظروف.
واشاروا الى ان التخطيط من أجل افتتاح واحد من أهم المتاحف في العالم في مدة أسبوعين يظهر عدم المعرفة الكبيرة في موضوع إدارة التراث الثقافي ويظهر أن وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثارغير مطلعة بأن هناك معايير دولية معترفًا بها والتزامات في إدارة المتاحف والتراث الثقافي وبأن متخصصين بمستويات عليا وبسنين طويلة من الخبرة في هذه الاختصاصات، يكونون هم الأفضل في تقييم أي من الطرق يجب اتخاذها من أجل حماية المتاحف والمواقع الأثرية في الدولة.
ومن بين العلماء الذين وقعوا الرسالة التي تسلمت quot;ايلافquot; نسخة منها اليوم الدكتورة زينب البحراني أستاذة تأريخ الفنون والآثار في جامعة كولومبيا الاميركية والدكتورة لمياء الكيلاني باحثة آثارية في معهد الآثار بكلية لندن الجامعة والدكتورة سلمى الراضي الاثارية المتخصصة في صيانة المواقع التأريخية والدكتورة ندى الشبوط أستاذة تأريخ الفنون في جامعة شمال تكساس والدكتور دوني جورج أستاذ الآثار في جامعة الدولة في نيويورك ورئيس هيئة الآثار والتراث العراقية سابقاً.
وشدد علماء الاثار في رسالتهم هذه على أن المتاحف والمواقع الأثرية العراقية quot;يجب أن لا تقع ضحية لنزوة سياسية آنية وأن يتم التضحية بها من أجل حملات الآعلام والعلاقات العامة نيابة عن الحكومة لان هذه الأماكن لا تعود الى الحكومة بل الى الشعب العراقي وأنه من واجب الحكومة حماية التراث الثقافي نيابة عن الشعب وعندما لا تقوم الحكومة بذلك فأنه من واجب الشعب أن يظهر أهتمامه بالموضوع بصورة علنية وبصوت مسموع ونحن لذلك رأينا أنه من واجبنا أن نعلن عن قلقنا وإهتماماتنا الخطرة هذهquot;.
التعليقات