إيلاف تعرض تاريخ العرب في الدورات الأولمبية (1/3)
بداية العرب في أولمبياد استوكهولم 1912 وذهبيتهم في أمستردام

وإقرا أيضًا

أمير الشعراء أصدر قصيدة تحية لبطل الأثقال نصير

قصة الراضي بن عبد السلام بطل المغرب الأسطوري

محمد حامد ndash; إيلاف: قد نختلف في التصديق على صحة المقولة التي تؤكد على أن التفوق الرياضي على مستوى البطولة، وليس على مستوى الممارسة

شعار اولمبياد 1936
فحسب، هو أحد الدلائل على قوة وتقدم أي بلد، ولكننا لن نختلف كثيرًا إذا قلنا إن الدورات الأولمبية أصبحت بما تملكه من طبيعة تنافسية بين كل دول العالم وفي عدد كبير من الألعاب الرياضية هي أحد أهم ساحات إستعراض القوة وإثبات الذات والدعاية للدول، والعرب يمتلكون تاريخًا لا بأس به في المشاركات الأولمبية، وإن كان رصيد الميداليات لا يتناسب مع الامكانات البشرية والإقتصادية التي يمتلكها العرب، فقد جاءت المشاركة العربية الأولى في المحفل الأولمبي عام 1912 من خلال مشاركة البطل المصري أحمد حسنين في مسابقة المبارزة، وعلى الرغم من أن البطل المصري لم ينجح في الحصول على ميدالية، إلا أن تلك المشاركة تظل تاريخية بالنسبة إلى مصر والعرب، والدورات الأولمبية بشكل عام، فقد شارك في أولمبياد استوكهولم 2407 رياضيين يمثلون 28 دولة فقط، وهو الأمر الذي يعطي المشاركة العربية بعد تاريخي بالتواجد بين هذا العدد القليل من دول العالم في هذا الوقت المبكر من تاريخ الأولمبياد.

العرب يحصدون الذهب في أمستردام 1928
للمرة الأولى في تاريخ الدورات الأولمبية عرف العرب طعم الذهب، فقد فاز البطل المصري سيد نصير بذهبية رفع الأثقال وزن خفيف الثقيل بمجموعة 355.5 كجم (ضغط 100 كجم - خطف 110 كجم - نطر 147.5 كجم) ليصبح أول مصري وعربي يفوز بميدالية ذهبية في الدورات الأوليمبية، وقد كان البطل المصري من أساطير رفع الأثقال، حيث فاز عام 1930م ببطولة العالم في رفع الأثقال للوزن الثقيل في ميونيخ وعام 1931م فى لوكسمبورج، وظل رقم النطر مسجلاً بإسمه لمدة 15 عامًا وهو 167 كجم ولم يتمكن من إنتزاعه منه إلا البطل المصري محمد جعيصة حيث سجل 170.5 كجم عام 1945م، وقد حصل سيد نصير على وسام النيل فى الأربعينات في العهد الملكي، ووسام الرياضة من الرئيس جمال عبد الناصر فى أكتوبر عام 1965م.

ومن المفارقات التاريخية أن سيد نصير هو الرياضي الوحيد الذي نظم له أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة شعرية تقول بعض أبياتها...

شرفا نصير ارفع جبينك عاليا وتلق من أوطـانك الأكـليــــــلا
يا قاهر الغرب العتيـد ملأتــــه بثناء مصر على الشفاه جميلا
ان الـذى خلق الحـديد وبأسـه جعل الحـديد لساعديـك ذليـــلا

كما فاز المصارع المصري ابراهيم مصطفى أحد أشهر أساطير المصارعة في العالم بالميدالية الذهبية الثانية للعرب ومصر، ورغم عدم حصوله على

الأولمبياد ساحة مقاومة العنصرية وضحية الحرب الباردة

ملك اليونان طلب احتكار بلاده تنظيم الأولمبياد للأبد 1-3

ميدالية بعد أن حل رابعًا، إلا أن المنتخب المصري لكرة القدم بقيادة النجم الكبير حسين حجازي تمكن من تقديم مستويات مبهرة والفوز بالمركز الرابع في مسابقة كرة القدم لاولمبياد أمستردام عام 1928.

أثقال مصر تتألق في برلين 36 و لندن 48
واصل أبطال مصر في رياضة رفع الأثقال مسلسل التألق ورفع راية الرياضة العربية والمصرية في أولمبياد برلين 1936 أو أولمبياد هتلر كما يحلو للبعض أن يطلقوا عليه، فقد عبر الزعيم الألماني عن إعجابه الشديد بأبطال مصر في رفع الأثقال، وخاصة خضر التوني، حيث حقق أبطال مصر 5 ميداليات وجميعها في رفع الأثقال، خضر التوني حقق ذهبية الوزن المتوسط، ومحمد مصباح ذهبية الوزن الخفيف، وصالح سليمان فضية وزن الريشة، وإبراهيم شمس برونزية وزن الريشة، وإبراهيم واصف برونزية وزن خفيف الثقيل.

وفي أولمبياد لندن 1948 استمر مسلسل تألق الأثقال المصري، فقد أحرز ابراهيم شمس ذهبية الوزن الخفيف بعد كان قد حصل على برونزية في أولمبياد 1936، كما حقق محمود فياض ذهبية وزن الريشة، وعطية حمودة فضية الوزن الخفيف، وتمكن البطل المصري في المصارعة اليونانية الرومانية محمود حسن من الظفر بفضية وزن الديك.

أبطال لبنان يتألقون في هلسنكي 1952
لم تغب لبنان عن الدورات الأولمبية منذ مشاركتها الأولى في أولمبياد عام 1948 الذي أقيم في لندن، وعلى الرغم من أن لبنان مر بظروف سياسية كثيرة

صورة جماعية للابطال العرب في الاولمبياد
عضها يتشابه مع الظروف السياسية للمنطقة العربية بشكل عام، وبعضها تتفرد به لبنان، وهي الأحداث التي من شأنها التأثير على وضع الرياضه، إلا أن أبطال الألعاب الفردية تمكنوا من حصد 4 ميداليات في رصيد لبنان عبر تاريخ مشاركتها في الدورات الأولمبية وهي حصيلة جيدة للغاية بكل المقاييس، ويكفي أن نقول أن تلك الحصيلة تفوق ما حصدته السعودية والعراق وهما من القوى العربية الكبيرة سياسيًا واقتصاديًا وسكانيًا بطبيعة الحال مقارنة مع لبنان، وفي أولمبياد هلسنكي بفنلندا أحرز بطل لبنان زكريا شهاب فضية بطولة المصارعة اليونانية الرومانية لوزن الديك، كما تمكن بطل لبناني آخر وهو خليل طه من حصد برونزية بطولة المصارعة اليونانية الرومانية لوزن الريشة، ولم يشأ أبطال مصر كذلك أن تنتهي الدورة دون تسجيل اسم مصر مجددًا في لائحة الشرف الأولمبي، حيث فاز بطل مصر عبد العال راشد بالميدالية البرونزية لبطولة المصارعة اليونانية الرومانية لوزن الريشة.

عكاشة الجزائري يحقق ذهبية لفرنسا في ملبورن 1956
تمكن نجم ألعاب القوى علي ميمون عكاشه الجزائري الأصل، والذي منحته فرنسا جنسيتها وأطلقت عليه ألان ميمون الذي تمكن من الظفر بذهبية سباق الماراثون في أولمبياد ملبورن عام 1956 وهي الميدالية الوحيدة التي حققها لاعب عربي في هذا الأولمبياد على الرغم من أنها ميدالية فرنسية بكل تأكيد، إلا أنها تظل باسم بطل يتمتع بالأصول العربية، وهو البطل الذي كان قد تمكن من تحقيق بطولة العالم أعوام 1949 و1950 و1956 في سباقات الماراثون.ومن المعروف أن العرب قاطعوا أولمبياد ملبورن 1956 بسبب العدوان الثلاثي على مصر .

انجازات أبطال المغرب ومصر والعراق في روما 60
تمكن العرب من تحقيق 4 ميداليات في أولمبياد روما عام 1960، حيث أحرز المصري عثمان السيد فضية المصارعة اليونانية الرومانية، وجاءت تلك الميدالية في إطار مسلسل التألق المصري في المصارعة الذي سبقه وتزامن معه تألق لافت كذلك في رفع الأثقال، كما فاز المصري عبد المنعم الجندي بالميدالية البرونزية لوزن الذبابة في بطولة الملاكمة، كما حقق البطل العراقي أكبر إنجازات العراق في تاريخ مشاركاتها الأولمبية حينما تمكن من الظفر بالميدالية البرونزية لوزن الخفيف في بطولة رفع الأثقال.

قصة البطل المغربي الراضي بن عبدالسلام
وقبل أن نغادر أولمبياد روما 1960، لنا وقفة مع أحد أهم أبطال العرب وهو الراضي بن عبد السلام الذي حقق فضية سباق الماراثون، وهذا البطل له قصة تستحق الرصد، ووفقًا لما جاء في إصدار خاص لمجلة البطل العربي التي تصدر عن الإتحاد العربي لألعاب القوى بمناسبة تكريم الأبطال العرب الذين حققوا ميداليات أولمبية، فقد ذكر التقرير قصة البطل المغربي الذي كان أيضاً أول عربي يفوز بلقب بطل العالم لاجتياز الضاحية في المنافسات التي شهدتها العاصمة الاسكتلندية غلاسكو عام 1960. وهو من مواليد 1929 في فاس. سجل في ماراثون روما رقماً عربياً (2.15.42 س) ظل صامداً 20 عاماً قبل أن يحطمه الجزائري عبد المجيد مدا (2.15.01 س).

وامتدت حياة الراضي الرياضية من1950 الى 1966، عندما ترك الجيش الفرنسي وعاد الى مدينته فاس وبحث عن عمل من دون جدوى. فرجع الى فرنسا ليلاقي متاعب أخرى. وعمل في ورشة لتعبيد الطرق، ثم في محطة للقطارات في ديجون حيث يسكن، وأخيراً في محطة لغسيل السيارات، لكن حالته النفسية والمعنوية لم تتغير على الرغم منكل هذه المآسي. وكان الجميع يصفونه برجل الخلق والاستقامة ودائم الابتسامة.
عام 1972 أجرت معه مجلة ليكيب ماغازين الفرنسية مقابلة تحدث فيها قائلاً:
laquo;إن الذكريات لا تذهب عني أينما كنت... فقد تركت الجيش ولم أجد أحداً يساعدني... أتساءل أين ذهب كل هؤلاء الناس الذين كانوا يقبلون علي بالمئات لتهنئتي والتحدث معي؟ أين هم؟ وهل نسوا البطل الراضي؟.

واستعاد الراضي بداياته الرياضية، فأضاف: laquo;كان والدي يعمل بالزراعة في فاس وكنت أساعده ولم أعرف الرياضة قط في بداية حياتي. عام 1950 تطوعت بالجيش الفرنسي واكتشفوا أنني أستطيع العدو لمسافات طويلة من دون تعب! كنا نعدو في الجيش وكل واحد منا يحمل على ظهره كيساً وزنه 50 كيوغرامًا! وكنت دائماً من الأوائل... عند ذلك قرر رؤسائي إشراكي في بطولات الجري العسكرية وكنت أفوز بالمركز الأول. وتقرر إرسالي الى قطعة laquo;جوانفيلraquo; العسكرية التابعة للرياضة في الجيش الفرنسيraquo;.
وتابع الراضي ذكرياته: laquo;هكذا بدأت ولم تكن لدي أي متاعب ولم أفكر سوى بالعدو. أما الآن فالحياة مملوءة بالمتاعب والمآسي. لقد نزعت مسامير حذاء الجري واستعملته حذاء عادياً في عملي للتوفير... كم الحياة تتغير؟ عام 1960 فزت ببطولة العالم للعدو الريفي (اجتياز الضاحية) في غلاسكو ولاقيت ترحيباً كبيراً. في المساء عدت الى باريس وكنت جائعاً فدخلت أحد المطاعم الكبيرة ورأيت جميع من كان في الداخل ينظر إلي في شكل ترددت معه في الدخول... وتساءلت هل بسبب ملابسي المتواضعة يا ترى أم ماذا؟ وجلست الى طاولة منزوية وتناولت وجبة عامرة ومتنوعة... وعندما انتهيت طلبت الحساب فأجاب المسؤول بأن أحد الزبائن قد دفع الحساب عني... ثم تقدم شخص إلي قائلاً: ألست الراضي الذي فاز ببطولة العالم في غلاسكو؟ قلت نعم، فقال لقد دفعت عنك الحساب، أرجو قبول ذلك لأنك كنت شجاعاً في سباقك ضد منافسيك، خصوصاً البلجيكي غاستون رولان... أهنئك من كل قلبي. وتقدم إليّ عدد من الموجودين في المطعم وأخذوا يتحدثون معي، وطلب أحدهم التوقيع على صورة لي كانت الصحف قد نشرتها إثر فوزي بالسباقraquo;.

وعن ذكرياته ومشاركته في ماراثون روما الأولمبي، قال الراضي: laquo;كنت المرشح للفوز بالسباق ولم يكن أحد يعرف عن العداء الأثيوبي أبيبي بيكيلا شيئاً. لقد تعرّفت عليه صبيحة يوم السباق، اذ ذهبت لإجراء الفحص الطبي ووجدت شخصاً أسود اللون ممدداً على سرير الطبيب. واسترعت انتباهي قدماه اللتان كانتا شبيهة بقطعة من الفحم الحجري، أو بإطار أحد الشاحنات الكبيرة نظراً لسوادها وخشونتهاraquo;.
ولفت الراضي الى أن بيكيلا كان هو الشخص الممدد على السرير laquo;وعلمت في ما بعد بأنه يعدو حافي القدمين حتى في أوعر الطرق. وتقدمت نحوه وحاولت لمس أسفل إحدى قدميه بأصابعي وكنت واثقاً بأنه لن يشعر بذلك. وما أن لمسته حتى نهض جالساً ونظر إليّ بغضب، لكن الطبيب الذي عرفني، قدّمني إليه وأصبحنا منذ ذلك الوقت أصدقاءraquo;.

وأضاف الراضي: laquo;في موعد الغذاء ذهبنا الى المطعم في القرية الأولمبية، وكان الجميع يتناولون غداءهم وأكل كل واحد منهم ما فيه الكفاية إلا أنا وبيكيلا فقد إكتفينا بتناول قطع من البطاطا المقلية والفاكهة... بدا السباق وكنا نحن الاثنان في المقدمة وعلى مسافة كبيرة من الجميع. وبدأت المنافسة بين بيكيلا وبيني، وعندما وصلنا الى الكيلومتر الـ40 كنت في المقدمة ثم وجدت فجأة حبلاً ممدوداً، وظننت أن السباق قد انتهى وفزت به... لكن بيكيلا ظل يعدو ولم يقف بعد أن توقفت عن الجري، لأنه كان يعلم أن خط النهاية لم يزل على بعد بضعة مئات من الأمتار. وفجأة سمعت أحد المتفرجين ينادي بالفرنسية: إستمر في الجري يا راضي... واستمريت لكن بيكيلا كان أسرع مني الى خط النهاية، وفاز بالسباق بفارق بسيط عني...raquo;.