تحولت قطر خلال أعوام الى لاعب أساسي على الساحة الرياضية العالمية، في خطوات توجت بفوزها باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، الا ان شبهات الفساد التي تلاحقها قد تؤدي الى تقويض "قوتها الناعمة" الرياضية.

أحدث هذه الشبهات - والتي سارع المعنيون الى نفيها - كانت إعلان مكتب المدعي العام السويسري الخميس فتح تحقيق بحق القطري ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جرمان الفرنسي والرئيس التنفيذي لمجموعة "بي ان"، والامين العام السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الفرنسي جيروم فالك، على خلفية شبهات فساد في منح حقوق بث مباريات المونديال.

ويعد الخليفي أبرز الوجوه الرياضية القطرية في الأعوام الماضية، وقاد صعود "بي ان سبورتس" الى مصاف أبرز القنوات الرياضية عالميا التي ينظر اليها على انها إحدى الوسائل التي ساهمت في تعزيز صورة قطر الرياضية وحضورها على الساحة العالمية.

ويرى متخصصون بالشأن الرياضي ان هذه الاتهامات هي الأخيرة ضمن سلسلة طالت الامارة الخليجية، ودأبت الأخيرة على نفيها.

ويقول الاستاذ المتخصص في مأسسة الرياضة في جامعة سالفورد البريطانية سايمون شادويك "اذا أخذنا هذه الاتهامات على حدة، سيكون سهلا اعتبار ان ما جرى (الخميس) هو عبارة عن ممارسة مشكوك بها في رياضة يطبعها تدفق لا متناه من المخالفات".

ويضيف "لكن هذا ليس حدثا معزولا، ويشكل جزءا من سردية متواصلة حول قطر والفيفا".

ولا يزال الاتحاد الدولي للعبة يعاني من تبعات فضائح فساد ضخمة هزته منذ العام 2015، وصلت الى حد الاطاحة برئيسه السابق جوزيف بلاتر، وتوقيف عدد من مسوؤليه والتحقيق مع آخرين. كما لم توفر الانتقادات قطر منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022.

وأعلن مكتب المدعي العام السويسري الخميس انه فتح منذ 20 آذار/مارس، تحقيقا بشأن فالك والخليفي على خلفية تهم تشمل "رشوة أفراد، والاحتيال (...) وتزوير مستند".

وأضاف المكتب "يشتبه بأن جيروم فالك قبل تقديمات غير مستحقة من رجل أعمال في مجال الحقوق الرياضية على صلة بمنح الحقوق الاعلامية لبعض الدول لكأس العالم لكرة القدم 2018، 2022، 2026، و2030، ومن ناصر الخليفي على صلة بمنح الحقوق الاعلامية لبعض الدول لكأس العالم 2026 و2030".

- المطلوب "حل سريع" -

وهي ليست المرة الأولى التي تواجه فيها قطر اتهامات بالفساد على خلفية كرة القدم، اذ واجهت اتهامات بالرشى على خلفية الفوز باستضافة كأس العالم، وهو ما نفته الدوحة باستمرار. كما تعرضت لانتقادات على خلفية حقوق العمالة الأجنبية في ورش المونديال.

ويأتي التحقيق الجديد في خضم أزمة دبلوماسية بين قطر ودول عربية في مقدمها السعودية والامارات ومصر التي أعلنت في حزيران/يونيو قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، وأغلقت مجالاتها الجوية أمام الطيران القطري وقطعت الرحلات بينها وبين قطر. كما أغلقت السعودية منفذها الحدودي مع قطر، وهو المنفذ البري الوحيد للامارة.

ولم تسلم الرياضة من تبعات هذه الأزمة، اذ شهد هذا الأسبوع مواجهة كلامية بين قطر والامارات على خلفية مونديال 2022. 

فبعد تصريح لوزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش اعتبر فيه انه "لا تستوي الاستضافة مع سجل في دعم التطرف والارهاب"، رد مكتب الاتصالات في الحكومة القطرية ببيان اعتبر فيه ان الاستضافة أمر "غير قابل للنقاش أو التفاوض"، ومعتبرا ان "طلب دولة الإمارات العربية المتحدة بتخلي دولة قطر عن استضافة كأس العالم يبين أن الحصار غير قانوني وقائم على الغيرة المحضة".

ووجدت شبكة "بي ان سبورتس" نفسها في خضم الأزمة الدبلوماسية، اذ أوقفت دول معنية بالأزمة بث قنواتها لفترة، ورفضت أندية في هذه الدول التعامل مع مراسلي القناة او التحدث اليهم.

ويرى شادويك ان هناك ترابطا بين كل هذه الاحداث.

ويوضح لفرانس برس أن "هذا التطور (التحقيق السويسري) يحصل على خلفية خلاف حاد (...). من هنا، يمكن القول ان التوقيت وطبيعة الاتهامات الموجهة الى الخليفي يثيران الشكوك".

ويضيف "قد يشك البعض بأن الاتهامات جزء من حرب إعلامية مستمرة يخوضها الخصوم الخليجيون".

وبحسب الموقع الالكتروني لمجموعة "بي ان"، تدرج الخليفي "في مسيرته المهنية في عالم الإعلام بدءا كمدير لإدارة حقوق البث في الجزيرة الرياضية منذ انطلاقتها عام 2003، إلى أن تمت تسميته مديرا عاماً للقناة عام 2008". وفي كانون الأول/ديسمبر 2013، "قاد الخليفي مسيرة انتقال الجزيرة الرياضية إلى شبكة +بي ان سبورتس+ العالمية، وأصبح رئيساً لمجلس الإدارة والرئيس التنفيذي" للمجموعة.

ويرأس الخليفي باريس سان جرمان المملوك من هيئة قطر للاستثمارات الرياضية منذ العام 2011.

وفي الآونة الأخيرة، كان الحضور الأبرز للخليفي على مسرح الانتقالات، اذ أبرم سان جرمان صفقتين هما الأكبر في تاريخ اللعبة: ضم البرازيلي نيمار من برشلونة الاسباني مقابل 222 مليون يورو، وكيليان مبابي من موناكو في صفقة قدرت قيمتها بنحو 180 مليونا.

ولدى انتقال نيمار، اعتبر محللون ان ضمه يمثل رسالة تحد قطرية في مواجهة محاولة عزلها سياسيا واقتصاديا، وحتى رياضيا.

ولفت في بيان المدعي العام السويسري، ذكر الخليفي بالاسم، على عكس الحال مع رجل الاعمال المتهم بالتورط مع فالك بالتهم نفسها.

ويقول شادويك ان الخلاف المتواصل قد ينعكس سلبا على قطر والرياضة عموما، موضحا ان "صورة وسمعة قطر والمنطقة تعانيان حاليا (...). الخلاف يعزز الأفكار المسبقة التي يحظى بها العديد من الأشخاص في العالم حول دول الخليج".

ويضيف "لذلك، يبدو ملحا ان يتوصل المعنيون الى حل سريع وتوافقي لأمر يضر بكرة القدم في المنطقة وموقعها في العالم".