في 12 تموز/يوليو 1998، شهد العالم ولادة أسطورة الفرنسي زين الدين زيدان. صانع الألعاب الفذ منح بكرتين رأسيتين، لقب كأس العالم في كرة القدم لفرنسا على أرضها. بعد 20 عاما، لم يتوقف الجزائري الأصل عن المفاجأة.

كان ستاد دو فرانس على الموعد. نهائي مرتقب بين فرنسا والبرازيل حاملة اللقب. أي عنوان أكبر من هذا لتحقيق المجد؟ بعد بداية مخيبة لكأس العالم وبطاقة حمراء للاعب الحامل الرقم 10 في مباراة ضد السعودية، عرف لاعب يوفنتوس الايطالي (في حينه) أين يضرب ومتى.

ركلتان ركنيتان، هدفان بالرأس. هدف تأكيد متأخر من إيمانويل بوتي، وها هي فرنسا تفوز 3-صفر وتحرز اللقب العالمي الأول في تاريخها. كان العالم يعرف مهارة زيدان بين قدميه، الا ان رأسه كان حكاية مختلفة.

روى النجم الفرنسي لصحيفة "ليكيب" الفرنسية حديث الأيام التي سبقت النهائي مع المدرب المخضرم إيميه جاكيه. قال ان المدرب "ركز في الأيام التي سبقت النهائي على أهمية الركلات الركنية. قال لي +زيزو، أعرف ان الضربات الرأسية ليست نقطة قوتك الا ان هذا البرازيلي بالكاد يبلغ طوله 1,70 م (في اشارة الى الظهير الأيسر روبرتو كارلوس)، الآخر بالكاد أطول بقليل (ليوناردو البالغ طوله 1,75)، لذا أنا أضمن لك، اذا حاولت وكنت مقتنعا بقدرتك، يمكنك ان تحقق أمرا ما+".

أضاف زيدان "حياتي انقلبت رأسا على عقب بعد تلك المباراة".

في السادسة والعشرين من عمره، تحول زيدان الى معبود للجماهير الفرنسية التي هتفت باسمه على جادة الشانزيليزيه ورفعت صورته على قوس النصر في قلب باريس، وصولا الى المطالبة به رئيسا للجمهورية!

بعد 20 عاما، لا يزال البعض يطالب بزيدان رئيسا بعد نهاية ولاية الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون... الا ان في حال شغور منصب مدرب المنتخب الفرنسي من الآن وحتى الانتخابات.

تدريب "الديوك" هو المسار المرجح للفرنسي الذي اختار في 31 أيار/مايو الماضي، ان يعلن رحيله عن تدريب ريال مدريد الاسباني بعدما قاده الى إحراز لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة تواليا، ليصبح أول مدرب في التاريخ يحقق إنجازا مماثلا. اختار "زيزو" الخروج من الباب العريض، كما دخل تاريخ كرة القدم من باب النجومية في نهائي كأس العالم.

- "مقاتل" - 

منافسه في نهائي دوري الأبطال هذا الموسم، الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول الانكليزي، قال عنه قبل المباراة انه "مقاتل". أضاف ان زيدان كان دائما مقاتلا "نشأ في مرسيليا (جنوب فرنسا)، ولكي تحظى بمسيرة مشابهة يجب ان تكون مقاتلا"، وان جودته كمدرب هي نفسها جودته كلاعب.

واعتبر كلوب ان اللحظة الوحيدة التي كان ينسى فيها العالم ان زيدان هو مقاتل "هي عندما كان يلعب، لأنه كان أفضل من الجميع".

جعل "يزيد" (الاسم الذي كان يناديه به أقاربه في صغره) كرة القدم تبدو بسيطة، سلسة، سهلة. انساقت الكرة بين قدميه كما يجري النهر في الوادي السحيق، بلا عوائق، بلا كلفة، بمسار مرسوم من أول الملعب الى آخره.

كأس عالم وكرة ذهبية كأفضل لاعب في العالم عام 1998، كأس أوروبا 2000، هدف حاسم من الأجمل في تاريخ المسابقة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2002 مع ريال مدريد... الطفل الكتوم الذي تخفي عيناه بعض الخجل، إبن العائلة المؤلفة من خمسة أولاد والمتحدر من منطقة القبائل الجزائرية، أحرز معظم الألقاب الفردية الممكنة في مسيرته التي تنقل خلالها بين أندية عدة بدءا من كاين الى بوردو الفرنسيين، فيوفنتوس وريال.

بعد خيبة الخروج من الدور الأول في مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002 في ظل غيابه عن المباراتين الأوليين بسبب إصابة تعرض لها قبل نحو أسبوع على انطلاق البطولة، عاد زيدان في 2006 حاملا شارة القائد، وعازما على إنهاء مسيرته الكروية بأفضل شكل ممكن: مونديال ألمانيا.

قاد زيدان فرنسا الى النهائي، وقدم خلال البطولة لمحات عبقرية، لاسيما في ربع النهائي ضد البرازيل (1-صفر) عندما راوغ لاعبي السيليساو بطول الملعب وعرضه، وصنع من ضربة حرة، تمريرة حاسمة لهدف تييري هنري.

الا ان الأمور لم تصل الى خواتيمها السعيدة. في المباراة النهائية ضد ايطاليا، وبدلا من ان يرفع زيدان كأس العالم، رفعت في وجهه البطاقة الحمراء بعد "نطحة" شهيرة وجهها الى صدر المدافع الايطالي ماركو ماتيزارتزي، على خلفية ما قال زيدان انها إهانة وجهها الى والدته.

"سامحت" فرنسا زيدان، لاسيما رأس الهرم في حينه رئيس الجمهورية جاك شيراك الذي أكد له في قصر الاليزيه "إعجاب وعاطفة البلاد كلها" تجاهه.

- التحول الرابح -

بعد "انقطاع" لبضعة أعوام عن كرة القدم، عاد "زيزو" المتجدد في العام 2011، وهذه المرة من بوابة الادارة الرياضية للنادي الذي أنهى في صفوفه مسيرته كلاعب: ريال مدريد الاسباني. 

"تدرج" النجم السابق في أرض الملعب، في مسار التأقلم مع الحياة على أطراف العشب الأخضر. قرر ان يخطو نحو التدريب خطوة خطوة: في 2014 أصبح مساعدا لمدرب الفريق الأول "المعلم" الايطالي كارلو أنشيلوتي، ولم يتأخر في حصد النجاح مع تتويج الفريق في نهاية الموسم بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة في تاريخه.

في 2016، دفع رئيس النادي فلورنتينو بيريز بزيدان الى واجهة المشهد على نحو غير متوقع: مديرا فنيا للفريق الأول خلفا لرافايل بينيتيز. لم يتأخر الفرنسي في حصد الثمار في رحلة اثبات الجدارة بعد توليه، من دون خبرة تدريبية تذكر، مسؤولية أحد أبرز الأندية في العالم وأكثرها تطلبا.

بعد أشهر، قاد ريال الى لقبه الحادي عشر في دوري الأبطال، ولم يتخل عنه منذ ذلك الحين. في أقل من ثلاثة أعوام، صنع زيدان لريال فترة من الأنجح في المسيرة التاريخية للنادي: لقب الدوري، دوري الأبطال ثلاث مرات، كأس العالم للأندية مرتين...

اختلف زيدان المدرب عن زيدان اللاعب أمام وسائل الاعلام. بات يتقن لعبة الكاميرات والتصريحات، وتوزيع الابتسامات وإمرار الرسائل.

على رغم نجاحاته كمدرب، بقي زيدان يلاقي انتقادات بعض الملعقين الذين يعتبرون انه ليس "تكتيكيا" ناجحا. 

زميله السابق في المنتخب مارسيل دوسايي يخالف المشككين الرأي. ويقول في تصريحات لوكالة فرانس برس ان زيدان هو على عكس ما يعتقد الجميع "هو انطوائي الا انه متحفز للغاية، طموح للغاية".

يضيف "لا اعتقد ان ثمة أحدا يمكنه القول انه لم يفاجأ بمسيرته. يكذب من يقول انه كان يعرف انه سيحقق نجاحا على هذا المستوى".