تجارة العاجمزدهرةفي إحدى أسواق القاهرة- لوسي فيغن

رغم الاضطرابات السياسية التي تشهدها مصر، بقيت متاجر تجارة عاج الفيلة غير المشروعة مزدهرة في مصر. ويحظّر القانون المصري عرض وبيع جميع منتجات العاج، بما فيها التحف، لكن هذا الحظر لم يطبّق حتى الآن.


ازدهرت تجارة عاج الفيلة غير المشروعة في مصر بسبب عدم تطبيق القانون، جنباً إلى جنب مع دخول الصين إلى السوق كمستهلك ومشتر رئيس جديد، وفقاً لتحقيق جديد نشرته دورية quot;ترافيكquot; المكرسة حصراً لقضايا التجارة غير المشروعة.

إحدىأكبر أسواق بيع العاج في أفريقيا

التقرير الجديد الذي يتحدث عن مبيعات العاج غير المشروع في مصر، ينص على أن quot;مصر لا تزال واحدة من أكبر الاسواق في أفريقيا لبيع العاج غير المشروعquot;، مشيراً إلى أنه لا يمكن بيع العاج في مصر، سواء القديم أو الجديد، quot;بشكل قانوني من دون الحصول على تصريح خاص، ولم يتم الحصول على هكذا أذون بتاتاًquot;.

ووفقا لكبار المسؤولين الحكوميين الذين قابلهم واضعو التقرير، وهما ازموند مارتن ولوسي فيغن، منذ عام 2009، لم يتم ضبط عمليات بيع العاج في مصر، سوى مرتين في مطار القاهرة، في حين لم تتم مصادرة سلع العاج من منافذ البيع بالتجزئة منذ العام 2003.

وعمل الحرفيون المصريون في نحت وبيع العاج منذ آلاف السنين، وهي فترة ربما تعتبر الأطول مقارنة مع أي بلد آخر. وتعتبر مصر واحدة من أكبر الأسواق غير المشروعة لتجارة عاج الفيلة في أفريقيا. ويتم تهريب أنياب العاج في معظمها عن طريق السودان، ثم بيعها لورش النحت والتصنيع في القاهرة.

قانون غير مطبق!

ومنذ إعلان معاهدة quot;سايتسquot; الدولية لحماية الحياة البرية من الاستغلال المفرط، منع تجارة العاج في العام 1990، حظّر القانون المصري جميع الواردات والصادرات، وكذلك عرض وبيع جميع منتجات العاج، بما فيها التحف، لكن هذا الحظر لم يطبّق حتى الآن.

ولم تنفذ دائرة حماية الحياة البرية المصرية، هي الوكالة الحكومية التي تطبق قوانين الحياة البرية في مصر، أي عملية تفتيش أو مصادرة ناجحة على منافذ بيع العاج بالتجزئة منذ سنوات عديدة.

وفي عام 1998، كشفت أول دراسة استقصائية مفصلة لصناعة العاج في مصر أن تجار التجزئة كانوا يعرضون ثالث أكبر عدد من قطع العاج في أفريقيا، وذلك بعد أبيدجان، ساحل العاج، وزيمبابوي.

وفي العام 2005، نفذ الفريق التابع لدورية quot;ترافيكquot; دراسة ثانية، شملت المنتجعات السياحية في الغردقة وشرم الشيخ وخليج نعمة، وكانت النتيجة مشجعة، إذ سجل عدد سلع العاج المعروضة في القاهرة والأقصر وأسوان انخفاضاً بنحو النصف. وأشارت الأرقام إلى أن القطع العاجية بلغ عددها 10611 قطعة، مقارنة بـ 21460 قطعة في العام 1998.

وعلى الرغم من هذه الأرقام، أفادت التقارير بأن كميات كبيرة من العاج لا تزال معروضة للبيع في مصر، خصوصاً في القاهرة، الأمر الذي أدى بـ quot;ترافيكquot; إلى تمويل دراسة استقصائية أخرى حول تجارة العاج في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) 2011 في القاهرة والأقصر، وهما أهم أسواق العاج في مصر.

الاضطرابات السياسية لم تنجح في إيقافها

أحد الحرفيين يصنع عصي المشي من العاج- لوسي فيغن

وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية الأخيرة، بقيت أبواب المتاجر وورش العمل مفتوحة في الوسط القديم لسوق quot;خان الخليليquot; في القاهرة، وهي السوق الرئيسة لتصنيع وبيع منتجات العاج بالتجزئة. كما شوهدت 918 سلعة من العاج، معروضة للبيع في منطقة الأقصر.

وسأل فريق البحث عدداً من الحرفيين والتجار عن أسعار سلع العاج ومصدرها، إضافة إلى عدد ورش العمل والحرفيين في هذه الصناعة، تاريخ حيازة قطع العاج وجنسية الزبائن الذين يقبلون على هذا النوع من السلع.

وفي شهر آذار، تم ترتيب لقاء مع اثنين من كبار المسؤولين الحكوميين الذين سئلوا عن مضبوطات العاج الأخيرة وعمليات التفتيش، وأفكارهم حول كيفية تحسين تنفيذ القانون. وتشير الأرقام إلى أن 3000 من القطع العاجية تم إنتاجها في السنوات الخمس الماضية، ومعظم القطع الباقية كانت منحوتة في مصر بين فترة العام 1990 و 2000.

وأظهرت أبحاث quot;ترافيكquot; السابقة في القاهرة والأقصر، في عام 1998 و 2005 العثور على تخفيض شامل بنسبة 43 ٪ في سعر مبيع العدد الإجمالي للقطع العاجية، لكن هذا الرقم انخفض فقط بنسبة 10 ٪ في استطلاع العام 2011، ومعظمها في مدينة الأقصر.

التشريعات وتطبيق القوانين

وينص المرسوم الوزاري المصري رقم 1150 لعام 1999 على أن quot;امتلاك أو عرض، واستيراد أو تصدير أي عينة من الأنواع المدرجة في الملحق الأول والثاني والثالث من اتفاقية سايتس، يشكل انتهاكاً قانونياًquot;.

وبالتالي، فإن عرض وبيع جميع سلع العاج، قديمة أو جديدة، من دون الحصول على تصريح خاص، هو عمل غير قانوني. مع الإشارة إلى أن أحداً في مصر لم يستحصل على هكذا إذن، على الرغم من استمرار تجارة العاج وازدهارها في مصر.

وتعتبر قدرة السلطات المصرية على تطبيق قانون حظر تجارة العاج ضعيفاً للغاية، فبين عامي 2000 و 2002، نفذت السلطات المصرية 37 عملية تفتيش وضبط للعاج، التي ضمت ما مجموعه 2564 قطعة من العاج الخام ونصف المشغول، إضافة إلى 278 سلعة مصنوعة من العاج في العديد من المناطق.

quot;تشجيع وقف عمليات بيع العاج غير المشروعة في الأسواق المصرية بين عامي 1998 و 2005 فقد الآن كل الزخم. تعثرت جهود عدد من المنظمين الحكوميين في هذا الإطار، في الوقت الذي تحافظ فيه مصر على موقعها الذي لا تحسد عليه، باعتبارها مخالفة بسبب تجارة العاج بالتجزئة quot;، يقول توم ميليكين، خبير في نقل وتجارة العاج، الذي كلف بإعداد الدراسة.

وأكد مسؤولون مصريون أنه لم تكن هناك أي مصادرة لسلع العاج من منافذ البيع بالتجزئة منذ عام 2003، وهي حقيقة أكدها التجار في القاهرة والأقصر. ووفقاً لمسؤولين حكوميين، فتشت السلطات المصرية سوق quot;خان الخليليquot; مرة واحدة فقط في عام 2010، على الرغم من أنه يفترض تنفيذ عمليات تفتيش كل ثلاثة أشهر. ونظراً إلى أن الشرطة المصرية لم تكن تتمتع بالسيطرة الكاملة منذ كانون الثاني من العام 2011، لم تجر أي عمليات تفتيش في هذا الإطار منذ بداية السنة الماضية.

وأجرى فريق البحث من quot;ترافيكquot; دراسة في مصر حول أسعار ومصادر انياب الفيلة، فأشاروا إلى أن معظمها جاءت من السودان في العام 2010، إضافة إلى ساحل العاج، وكينيا وتنزانيا باعتبارها مصادر لبعض بائعي العاج في القاهرة.

وسأل الفريق العديد من التجار عن الاسعار، فتوصلوا إلى نتيجة مفادها ان سعر الأنياب الصغيرة التي يصل وزنها إلى 2 كيلوغرام يبلغ 276 دولارا. أما الأنياب الأكبر التي يصل وزنها إلى 8 كيلوغرامات فتباع بنحو 367، بينما تباع الأنياب الصغيرة أو التالفة أو الأجزاء الجوفاء بسعر 150 دولاراً للكيلوغرام الواحد.

وتبدو حرفة نحت العاج المصرية فقيرة إلى حد ما، مقارنة مع تلك في آسيا وأفريقيا الجنوبية. فالتجار يولون القليل من الاهتمام بالتفاصيل، والسلع مثل التماثيل والمنحوتات تفتقر إلى العناية والمهارة، ولعل ذلك يعود إلى زيادة النفقات وندرة المواد.

ومعظم السلع التي تصنع من العاج في مصر هي أدوات الزينة مثل التماثيل الصغيرة، القلائد والأساور الشعبية، المسابح وعصي المشي وغيرها. وصادف فريق عمل quot;ترافيكquot; نحو 23 حرفياً يصنعون قطع العاج، بعضهم يعمل نهاراً على صنعها، فيما يفضل البعض الآخر إتمام عملهم تحت جناح الليل.

وسجل تقرير دورية quot;ترافيكquot; العديد من المشاهدات في الأسواق المصرية، فالعديد من منافذ البيع بالتجزئة في القاهرة شوهدت تعرض قطع العاج، 71 منها في أوائل عام 2011، وهي عبارة عن محلات الهدايا التذكارية، محلات المجوهرات، متاجر التحف، وأخرى متخصصة في بيع العاج.

واشار الفريق إلى 58% من هذه المتاجر تركزت في خان الخليلي، ونحو 18% بالقرب من الأهرامات وحول ميدان التحرير والكنيسة القبطية، و14% في عدد من الفنادق الفخمة، إضافة إلى 10% في منطقة الزمالك. وسجلت الأرقام 8343 قطعة عاج معروضة للبيع في المتاجر.

وتم نحت معظم هذه القطع في مصر بين عامي 1990 و 2005. وبعد ذلك الوقت، بات من الصعب إدخال السلع المهربة إلى داخل البلاد بسبب زيادة الأمن على الحدود مع السودان. وادعى العديد من البائعين الذين تحدث معهم الفريق انهم يبيعون مخزوناتهم القديمة، ولا يستبدلونها بقطع جديدة.

وتباينت أسعار قطع العاج في المتاجر التي زارها فريق البحث، وفقاً لنوعية النحت والمصدر. وتعتمد الأسعار أيضاً على مدى استعداد المشتري للإنفاق. كما أن التجار يبيعون سلعهم بأي ثمن، بسبب الركود السياحي، ويقدمون خصومات بنسبة 20 ٪ على الأقل.

quot;سياحquot; شراء العاج يشجعون هذه التجارة

وكان الاسبان والإيطاليون والأميركيون المشترين الرئيسين لسلع العاج في العام 2005، إضافة إلى أن المزيد من المصريين وعرب الخليج يشترون السبحات وعصي العاج. لكن الصين أصبحت المشتري الرئيس في العام 2011، وتشتري أكثر من نصف إجمالي كمية العاج التي تعرض للبيع.

وقال أحد بائعي العاج للفريق إن العميل الصيني ينفق أحياناً أكثر من 50 ألف دولار على العاج خلال دورة مساومة واحدة. وادعى آخرون انه لم تكن هناك مشكلة في جلب العاج إلى مصر، كما ان بعض البائعين يعرضون تقديم ايصال يشير إلى أن استلام قطعة أثرية أو مصنوعة من عظم الجمل.

وكان معظم الباعة في القاهرة على ثقة بأن مبيعات العاج ستستمر، وذلك ليقينهم بأنه لا يوجد ضغط من أي نوع لوقف هذه التجارة، على الرغم من يقينهم بأن هذه التجارة غير قانونية وحرصهم على عدم التقاط الصور أو السماح للفريق بتصوير بضائعهم.

ويشعر الباعة في القاهرة بالتفاؤل بأن الصينيين سوف يواصلون شراء سلع جديدة من العاج، مثل الأساور والقلائد والتماثيل. وأشاروا إلى أن الحرفيين ينتجون أعداداً أكبر من الأختام والعصي والمسابح، خاصة لعرب الخليج. ومع ارتفاع أعداد السياح الأجانب إلى مصر، إضافة إلى عدد الاثرياء المصريين، يبدو ان تجارة العاج ستشهد مزيداً من الازدهار.

واشار تقرير quot;ترافيكquot; إلى أن سياح شراء العاج يقومون بتنشيط هذه التجارة غير المشروعة، وهم بذلك لا يحترمون معاهدة quot;سايتسquot; CITES ( معاهدة دولية وضعت في عام 1973 لحماية الحياة البرية من الاستغلال المفرط، ومنع التجارة الدولية بالأنواع المهددة، كما انهم يغذون تجارة صيد الفيلة في أفريقيا.

وتقتضي مهمة دائرة الحياة البرية المصرية منع منتجات الحياة البرية غير القانونية من الدخول والخروج من البلاد، ومن عرضها في المحلات التجارية، لكن كانت هناك بعض المضبوطات من العاج منذ عام 2005، في حين لم تعثر عمليات التفتيش في منافذ البيع بالتجزئة على العاج.

وفي الوقت نفسه، لا يزال العاج المنحوت يعرض بشكل علني في الأسواق في القاهرة من دون أي محاكمة للمتورطين.

وفي أيار/مايو 2010، عقدت الهيئة الإدارية المصرية المسؤولة عن تنفيذ معاهدة quot;سايتسquot; سبع دورات تدريبية تشمل ضباط البرية والجمارك وضباط الشرطة والعاملين في مجال السياحة، وتحديد المنتجات من الأنواع المهددة بالانقراض، ووضعت ملصقات لمساعدة المسؤولين في التعرف إلى عاج الفيلة.

وقال ازموند مارتن، المؤلف الرئيس لتقرير دورية quot;ترافيكquot;: لقد حان الوقت لاستخدام هذه المهارات المكتسبة حديثاً لمصادرة العاج الخام، من أجل وضع حد لهذه التجارة غير المشروعة.

واشار التقرير إلى أن القوة النسبية لسوق العاج في مصر تعود إلى الانعدام التام تقريباً لتنفيذ القانون على مدى السنوات الست الماضية، جنباً إلى جنب مع دخول الصين كلاعب رئيس إلى السوق الاستهلاكية.

حتى اندلاع الثورة المصرية في كانون الثاني عام 2011، شهد قطاع السياحة المصري نمواً لا بأس به، إذ استقبلت مصر في العام 2010، ما يقرب من 13 مليون زائر أجنبي، أنفقوا نحو 13 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى ازدهار سوق العاج، لا سيما بسبب إقبال المشترين الصينيين على هذه السلع.

واعتبر فريق quot;ترافيكquot; ان عمليات التفتيش ومصادرة سلع العاج في اثيوبيا وغانا أدت إلى تراجع كبير في مبيعات التجزئة، ويجب القيام بعمل مماثل في مصر لوقف هذه التجارة غير المشروعة.

وخلص تقرير دورية quot;ترافيكquot; لقضايا التجارة البرية إلى التوصيات التالية:

1. يجب على الحكومة المصرية تنفيذ اتفاقية quot;سايتسquot;، لا سيما في ما يتعلق بثلاثة اعتبارات رئيسة:

أ) الإعلان عن الوضع غير القانوني لعاج الفيلة في مصر من خلال عرض المنشورات الرسمية في محلات بيع التذكارات والفنادق والمطارات، والشرح باللغة العربية والصينية والانكليزية أنه من غير القانوني استيراد أو تصدير أو شراء العاج، تحت طائلة العقوبات الشديدة على مثل هذه الجرائم

ب) تنفيذ عملية تفتيش ومصادرة فعالة على منافذ بيع العاج بالتجزئة، على أساس منتظم، لا سيما في خان الخليلي، وملاحقة ومعاقبة الجناة.

ج) تحسين الجهود الرامية إلى الاستيلاء على كل من العاج الخام والعاج المنحوت عند الحدود الدولية، خاصة في مطار القاهرة الدولي.

2. لا بد من أن يتحمل منظمو الرحلات السياحية والسفارات والشركات الصينية، مسؤولية السياح الأجانب والمغتربين في مصر، وخاصة السياح من التابعية الصينية، وذلك عبر تحذيرهم وتوعيتهم إلى أن تجارة العاج غير قانونية.

3. يجب أن يعمل منظمو الرحلات الدولية على الضغط على الحكومة المصرية لتطبيق القانون الذي يحظر تجارة العاج، وذلك بثني السائح عن زيارة البلاد إلى حين وقف عرض العاج للبيع في الأسواق.