يرسم الخبير السوري الإيراني، مجيد رافي زادة، صورة دقيقة للرئيس السوري بشار الأسد، الذي تحول من صبي خجول انطوائي إلى حاكم سيىء، يتهم بقتل مئات الآلاف من السوريين.


عشية ضربة أميركية متوقعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تخوض تقارير إعلامية عديدة في شخصيات القادة في هذه الأزمة، كالرئيس الأميركي باراك أوباما أو الرئيس السوري بشار الأسد. وتنقل (سي ان ان) عن مجيد رافي زادة، الخبير السوري الإيراني بشؤون الشرق الأوسط ورئيس المجلس الأميركي الدولي، والعضو في مجلس أمناء جامعة هارفارد، تفنيدًا لشخصية الأسد، إذ يقول إن غالبية من كان يعرف الأسد في طفولته الدمشقية كان يراه طفلًا خجولًا ومتحفظًا، ضعيفًا ومترددًا، يميل إلى الانطواء على نفسه، لم يرث أيًا من ميزات والده الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وشقيقيه الراحل باسل وماهر، وخصوصًا أنه لم يرث من هؤلاء الذكاء والقوة ومهارات القيادة.
اتصال غيّر حياته
كان طول الأسد الفارع ورقة ملامح وجهه تضيف إليه سمات الضعف في عيون السوريين، أو جلهم تقريبًا. وقبل أن يرفع إلى مكانة الرئاسة، كانت غالبية السوريين ترى فيه شخصًا ميالاً إلى المطالعة والتنظير، وليس شخصًا يمتلك مؤهلات قيادة بلد. وينسب رافي زادة إلى صديق له علوي يدعى أبو هشام قوله: quot;لا يمكن لبشار أن يقف في وجه قوى مثل إسرائيل والولايات المتحدة، فنحن بحاجة لزعيم مثل باسلquot;.
لكن القدر لعب لعبته القذرة، وبين للجميع أنهم أخطأوا في الحكم على الأسد من طفولته وملامحه. ويتساءل رافي زادة: quot;كيف تحول صاحب العينين الزرقاوين والقامة الطويلة، والمتعلم طب العيون في الغرب، والذي امتلك مهارات الفحص وإيجاد الحلول، إلى زعيم سيىء؟quot;.
ويقول إن قدر بشار تغيّر في العام 1994، quot;فعندما كان يدرس طب العيون في إنجلترا، تلقى اتصالًا من والده يطلب منه العودة إلى دمشق بعد مصرع شقيقه باسل في حادث سيارة، وهو الذي كان مرشحًا لخلافة والده، وهذا الاتصال غيّر حياة بشار إلى الأبدquot;.
وبحسب رافي زادة، أخضع بشار لدورات تدريب مكثفة، عسكرية وسياسية، تلقى فيها أسس مبادئ حزب البعث والعلمانية، لأنه كان بعيدًا عن السياسة التي أدار بها والده سوريا، اشرف عليها الحرس القديم من حزب البعث والجيش السوري.
انفتاح اقتصادي لا سياسي
يقول رافي زادة إن بشار كان يملك نظرة مختلفة لسوريا، إذ أراد إبعادها رويدًا رويدًا عن تسلط حزب البعث وسيطرة الجيش وسياسات الحرس القديم الذي أحاط بوالده الراحل. يضيف: quot;رغم أنّه عزز سلطة العسكر القديم ونزوعهم إلى حملات القمع، إلا أن نزوعه إلى الحياة الغربية انعكس على خطاب توليه الرئاسة بعد رحيل والده، إذ تعهد ساعتها بأنّ الوقت حان لتحديث البلاد، وتحقيق آمال 'شعبنا' المشروعةquot;.
فبعد إعتماد مبادئ الاشتراكية طويلًا، أراد بشار أن يزرع في سوريا بذور منحى ليبرالي وفق النموذج الغربي. لكن ذلك استفادت منه دائرته الضيقة والأقلية العلوية، فيما توسع الفارق بين الأغنياء والفقراء. ولعل من الأخطاء التي زادت الطين بلة أن بشار لم يقتنع بأن الانفتاح الاقتصادي يقتضي أيضًا انفتاحًا سياسيًا، بحسب تحليل رافي زادة.
وعلى العكس من ذلك، قمع بشار المعارضة والناشطين الحقوقيين، بمساعدة من إيران التي توسع نفوذها في سوريا أكثر من أي وقت مضى. وزادت الخلافات بين أطراف الدائرة الضيقة من العسكر القديم، وعكس موقف قائد الاستخبارات العسكرية المخضرم ومستشار والده علي دوبا، الرافض للابتعاد عن مبادئ حزب البعث السوري، تلك الخلافات.
لا بديل
ويعول رافي زادة كثيرًا على دور دوبا، فيقول في تحليله: quot;عند اندلاع الاحتجاجات في آذار (مارس) 2011، حاول بشار العودة إلى الأصول بالاعتماد على علي دوبا نفسه، الذي لعب دورًا بارزًا في مجزرة حماة قبل عقود، وعلى شقيقه ماهر، وعلى الأقليات، وحوّل أجهزة الدولة إلى خادم مطيع لهquot;.
يضيف: quot;حتى الآن، يبدو أن بشار والعسكر القديم نجحا في الاستمرار مع دخول الحرب عامها الثالث، معتمدين في ذلك على معطى مهم يتمثل في كون الطبقة المستفيدة من حكمه، أي الأقليات ورجال الأعمال والمال والجيش، لم تظهر انشقاقًا واضحًا عنهquot;.
وبشار الأسد مستمر اليوم، في الربع الساعة الأخير قبل ضربة أميركية وشيكة لنظامه، في سعيه لإقناع العالم بأن لا بديل له لحكم سوريا، قائلًا إنّه إذا لم يستمر قائدًا لسوريا الموحدة، فبإمكانه أن يسرّب النزاع إلى المنطقة ككل، وأن يحوّل بلاده إلى جهنم.