quot;يرغب وزير التجارة والصناعة السعودي بالاجتماع والحديث مع الطلاب السعوديين المبتعثين في شيكاغو ويدعوهم للمشاركة مع اللجنة التنظيمية للمنتدى.quot; هذا ما قاله quot;موسىquot; صديقي وشريكي في السّكن، وهو يسألني إذا ما كنت أرغب بالذهاب معه والتطوّع بمساعدة منظميّ quot;منتدى فرص العمل السعودي الأميركيquot;، أجبته بالإيجاب، وكنتُ أفكر: هل أحضر كطالب، أم صحافيّ؟ الحقّ، أنني بمجرد سماعي لاسم وزير التجارة والصناعة عبدالله زينل، فكرتُ باقتناص الفرصة، والحديث معه في حوارٍ سريع على هامش الفعاليات رغم أنني أعرف عن حرصه الدائم على ترك مسافة طويلة بينه والصحافة، لأسباب نجهلها ولا يرغب سيادة الوزير بالتصريح بها. حزمتُ دفتري وقلمي والكاميرا في حقيبة الظهر، ولبست ابتسامةَ طالبٍ ممتن، وفي القطار كتبتُ أسئلتي وأنا متجهٌ إلى فندق شيراتون حيث تقام فعاليات المنتدى.

في اليوم الأول، الأربعاء 28 أبريل 2010، قابلت سكرتيرة وزير التجارة وأخبرتها عن رغبتي في الحصول على عشر دقائق مع الوزير لعمل حوار سريع حول المنتدى وقضايا أخرى متعلقة بعمل الوزارة. وعدتني بالرد عليّ هاتفيًا عندما يجد الوزير فرصة. فعقدتُ أملي حول ذلك الوعد، ثم اتجهت إلى القاعة حيث يجتمع الحفل.

خلال انتظار وجبة الغداء توزع الحضور على الطاولات، وعلى المنصة وقف الوزير عبد الله زينل ملقيًا كلمته الأولى إلى جموع الحاضرين. تحدث الوزير عن امتنانه وشكره للمشاركين من تجار ومسؤولين ومنظمين من الدولتين. quot;العلاقة بين السعوديّة وأميركا علاقة استراتيجيّة، صلبة، وسوف تستمر في التطور خلال السنوات القادمة. أنا أثق أنّ شراكتنا سوف تنجح في تجاوز الكثير من التحديات. هذه الشراكة المبنية على القيم والاحترام المشتركان والالتزام بالعمل جنبًا إلى جنب.quot; قال ذلك زينل بالإنجليزية وهو يقف ببدلته الرمادية موزعًا نظراته على الحضور، كمتحدثٍ محترف. quot;تركيزنا في هذا المنتدى، من الجانب السعودي، هو بناء ثقافة وفكر رأس مالي. إن هذا الجهد التعاوني بحاجة إلى أن يتحول إلى تعاون مؤسساتي، خصوصاً الآن، حيث يتعافى الاقتصاد العالمي، كما سمعنا من وزير ماليتنا اليوم.quot; ويواصل قوله quot; تتوقّع السعودية بنهاية عام 2010 أن تستقبل 23% من إجمالي الصادرات الأمريكيّة للدول العربية، والذي قد تصل قيمته إلى 75 بليون دولار، وذلك يدل على أنّ السعودية هي السوق الأول في المنطقة، ويحتمل أن يصل رقم الصادرات الأمريكية إلى الضعف مع عام 2015، الأمر الذي يساعد على خلق مليوني وظيفة للشعب الأمريكي.quot;

quot;إن القطاع الخاص السعودي، الذي يمثله اليوم 250 رجل وامرأة أعمال، حضروا إلى هنا متحدين السحب والرماد البركاني في سماء العالم -وأنا فخور أنهم فعلوا ذلك- هذا القطاع سوف تتخطى مساهمته القطاع الحكومي والقطاع النفطي في الاقتصاد الكلي للسعودية.quot;

ثم واصل الوزير متحدثًا عن خطة السعودية لتخفيض اعتمادها على عوائد تصدير النفط، حيث أن ارتفاع الطلب على الطاقة في المملكة العربية السعودية قد يقلل إلى حد كبير من قدرتها على تصدير النفط إلى باقي دول العالم على مدار العقدين المقبلين كما صرح بذلك، قبل أيام، خالد الفالح، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية. وقد قال الوزير في هذا الخصوص: quot;لتعجيل التنويع، وتخفيض نسبة الاعتماد على النفط، فإن المملكة العربية السعودية تعمل على تحسين نسبة المحفزات الربحية. فإن تسلّق سلّم القيمة سيكون الموجِّه الرئيسي لنا، لِهذا، بالرغم من أنَّ قطاعنا البتروكيمياوي وصل إلى الحقيبة العالمية، إلا أننا نستهدف الصناعات التي ستطوّر سلسلة البتروكيمياويات، مثل هندسة البلاستيك ومنتجات أخرى عالية القيمة. باختصار، السعوديّة ستتحولّ من كونها مجرد محطة وقود للعالم، إلى مختبر متطوّر للإبداع والبراعة والمعرفة.quot;

تحدث الوزير عن العمل الجدي الذي يظهر على الواقع الآن لفتح فرص استثمار كبيرة، والتي ستضاعف عوائدها المادية خلال العقد القادم، وأن لدى السعودية الإمكانيات والقدرة الاستيعابية لتحقيق ذلك. ثم أشار إلى أهمية تحويل سمة العمل الاستثماري والخط الإنتاجي إلى ما يخدم الإنسانية ويخفض نسبة التلوث البيئي والاحتباس الحراري. ثم انتقل إلى الحديث حول التعليم، وذكر أن أهم دور تقوم به الحكومة السعودية هو التركيز على الإنسان أولاً، حيث أنها تقوم ببناء جيل جديد من الشباب والشابات ذوي معرفة عالية، من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث. وأن السعودية تصرف ربع ميزانيتها على قطاع التعليم، وقال أنه quot;في نهاية عام 2006 كان هنالك 8 جامعات حكومية، وفي نهاية عام 2009 قفز ذلك الرقم إلى 25 جامعة. وعدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الخارج زاد إلى سبعة أضعاف، وسيكون منهم 29 ألف طالب وطالبة سعوديّة في الولايات المتحدة فقط مع نهاية عام 2010quot; ثم تطرق الوزير إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) وعن الدور الريادي الذي ستسعى له من خلال توفير بيئة خصبة للبحث العلمي والتطوير المعرفي، وعن نظرة الملك عبد الله في أن تكون (KAUST) ضمن قائمة أفضل الجامعات العالمية، وأن تصبح بيتًا من المعرفة ومصدرًا للتنوير.quot; ثم ختم زينل كلمته باقتباس للرئيس الأمريكي السادس عشر، أبرهام لينكون: quot;أَنا أشدّ المؤمنين بالناس. يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة أي أزمة وطنية إذا ما قيلت لهم الحقيقة. النقطة العظيمة هنا، هي أن يتم إعطاؤهم الوقائع الحقيقية.quot;

سعدتُ كثيرًا بسماع ذلك، فتبني سيادة الوزير لهذا الاقتباس جعلني أطمئن لحقيقة استعداده إلى مواجهة الصحافة والناس والإجابة على أسئلتهم، وتبادل الحقائق معهم.

في اليوم الثاني من فعاليات المنتدى، تلقيت اتصالاً من سكرتيرة الوزير، حيث أمليتُ عليها المحاور التي أنوي التطرق إليها خلال الحوار، ولكنها قالت أنها لا تعدني بإمكانية إجراء الحوار، فجدوله مزدحم. وبعد ظهر ذلك اليوم، كنتُ أجلس مع بقية الطلاب في اجتماعٍ مع الوزير، في إحدى قاعات فندق شيراتون، على هامش الفعاليات. تحدث الوزير عن تجربته كمبتعث سابق، وعن الحظوظ الجيدة التي تنتظر المبتعثين في الحصول على فرص وظيفية قيادية، وعن المستقبل المشرق للبلد، وأكّد على أن الحكومة السعودية تعوّل على المبتعثين كثيرًا عند إنهاء دراستهم. وقال أنه يجب الإيمان بأن التكنولوجيا لا تقود دفة الاقتصاد بل تستخدم للوصل إلى الأهداف الاقتصادية.

كما صرّح بعض الطلاب برغبتهم في اكتساب خبرة بالعمل في شركات أمريكية على الأقل لعامٍ واحد لاكتساب خبرة بالإضافة إلى ما تعلموه، بحجة أن التعليم وحده لا يكفي، وأنهم لابد أن يعيشوا بيئة عمل فهي المدرسة الحقيقية، كي يتمكنوا من تطبيق معرفتهم عند عودتهم إلى بيئات عمل الشركات السعودية مستقبلاً. ولكن المشكلة التي تواجه الطلاب هو أن الشركات الأمريكية مع الأوضاع الاقتصادية المتدنية حاليًا، لا تقوم بصرف رواتب للعاملين من خلال برامج الدورات، الأمر الذي يجعل من بقاء الطالب للعمل هنا بدون دخل أمرًا مستحيلاً، ووعد الوزير الطلاب بأنه سيقوم بالنظر في الموضوع، وربما بدء مناقشات لتوفير فرص عمل تدريبي للطلاب السعوديين في أميركا بمقابل، حتى لو اضطرت السعودية إلى توفير النصف والشركة الأمريكية النصف الآخر راتب المتدرب.

ثمة أسئلةٍ كثيرة تبحث عن إجابة، وأنا متأكد أن هذه الأسئلة والمطالبات يشاركني بها الكثير. للأسف أنه تم تجاهل رغبتي بالسؤال خلال اللقاء، وعند نهايته، سألتُ الوزير إذا ما كان بإمكانه إعطائي عشر دقائق من وقته للإجابة على المحاور التي ذكرتها لسكرتيرته، فأجاب:

أنا لا أجري حوارات مع الصحافة.

ثم جاء صحافي من جريدة سعودية معروفة، وسلم عليه، وطلب منه أن يقول انطباعه عن المهرجان ونجاحه والإنجازات الرائعة فيه وبقية الديباجة الأدبية، فوافق سيادة الوزير، وسألته عن ذلك، فقال:

أنا أعرف هذا الصحافي من زمان.

وبختُ نفسي على عدم تمكني من التعرف على سيادة الوزير من زمان. وبقيت أحمل أسئلتي عن تضخم الأسعار التي وعد بالقضاء عليها منذ تسلمه المنصب في 2008 وأسئلتي حول غياب كبير من معظم التجار عن مساعدة المتضررين في فيضانات جدّة، والنازحين في مخيمات أحد المسارحة إثر الحرب مع الحوثيين، وأسئلتي حول استغلال أغلب التجار للمصائب التي تحلّ بالناس هناك في سبيل مضاعفة تجارتهم، وأسئلتي حول دور التاجر في البرامج التطوعية والتوعية الاجتماعية. وبعد أنهى سيادة الوزير حديثه مع الصحافي الذي يعرفه من زمان، اعتذر عن عدم قدرته للحديث معي، فنثرت الأسئلة في حقيبتي وغادرت.

مجمل الكلام الذي نقلته هنا على لسان الوزير، كان كلامًا متفائلاً، وجميلاً، ويدل على عقلية واعية وإنسان ذو فكر اقتصادي متقدم. ولكن الغريب، أن الوزير رغم هذه القدرة الحوارية العالية، وحضوره الجميل، يرفض الحديث مع الصحافة، في قضايا تهم المواطن، الإنسان الذي يجب أن يعرف الحقيقة، كما قال ذلك في نهاية كلمته خلال اقتباسه مما قاله أبرهام لينكون.

أخيرًا، في القطار وأنا عائدٌ إلى شقتي، أخرجتُ ورقة الأسئلة، وكتبت في نهايتها اقتباسًا للرئيس الأميركي الثالث، توماس جيفرسون:

quot;إذا ما ترك لي الخيار في تقرير إما أن نحظى بحكومةٍ بدون صحافة، أو بصحافةٍ بدون حكومة، فلن أتردد للحظة في تفضيل الأخيرة.quot;