بعد انتفاضة الربيع عام 1991م واستقرار الاوضاع داخل المنطقة المحررة من الاقليم شرعت القوى السياسية الفاعلة الى اجراء انتخابات عامة لانتخاب ممثلين لأول برلمان في تاريخ الاقليم منتخب بشكل حر ومباشر دون تأثيرات السلطة في بغداد او غيرها، ومن ثم انبثاق اول حكومة كردستانية تمثل كل القوى السياسية ومكونات المجتمع من غير الكرد كالاشوريين والكلدان والتركمان والاقليات الدينية والمذهبية.
لقد كانت بداية عملية التحول من الشرعية الثورية الى الشرعية القانونية والمؤسساتية التي تم بناؤها على تلك التنظيمات التي ادامت الثورة وحمايتها طيلة عقود من تاريخها المعاصر، ورغم ان القوى الخارجية والتناقضات الداخلية حاولت المستحيل لإفشال تجربة الإقليم ومؤسساته، الا ان الاحداث اثبتت نجاح التجربة ومؤسساتها الدستورية وعملية التحول والتحديث باتجاه انجاز المجتمع المدني المتحضر.
ومن اهم المؤسسات التي تحولت من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية والمؤسساتية قوات الثوار من البيشمه ركه واجهزة الامن والحماية التي مرستها ايام المقاومة على واجباتها بشكل عال ونبيل وسجل طاهر ونقي يشهد العدو عليه قبل الصديق في تعاطيها وعملها وسلوكها الانساني النبيل، ويتذكر في هذا الصدد كثير من ضباط وجنود الجيش الذين كانوا يقعون في الاسر كيف يتقاسم معهم البيشمه ركه الغذاء والمكان والاغطية، بل وفي كثير من الاحايين يتخلى فيها البيشمه ركه عن امكنة نومهم واستراحتهم وحصتهم من الشاي والسكائر لصالح اسراهم.
لقد تحولت تلك المنظمات الثورية الى مؤسسات قانونية خلال سنوات قليلة فاصبحت جيش الاقليم ووكالة حماية أمن كردستان لتدخل مرحلة مهمة من مراحل تطورها وادائها المهني والوطني الذي تمرست فيه طيلة سنوات الحرب لكي يتحول فعلها تدريجيا الى اداء وطني شامل يتفاعل مع المواطن ويشعره بان هذه المؤسسات انما لخدمته ليس الا بفعل يومي وممارسة حقيقية لخلق اجواء مدنية للمجتمع.
للوهلة الاولى ربما يتبادر الى ذهن القارئ ان المقصود بحماية الاقليم هم العسكر وقوات الامن، ولكنني مع جل احترامي وتقييمي العالي لأدائهما المهني والوطني الا انني ارى ان لولا ثقة المواطن وتعاونه مع تلك المؤسسات لما تحقق ما تحقق خلال هذه المرحلة الخطيرة التي عاشها ويعيشها سكان الاقليم من امن وسلام وازدهار، وهنا اذكر ما رواه لي احد الاخوة البغداديين حينما وصل الى مدينة دهوك واركن سيارته لدقائق في طرف الشارع وإذا بصاحب إحدى المحلات القريبة ( وهو مواطن عادي ) يحييه ويبلغه بان الوقوف محضور هناك، وعليه ابلاغ الجهات المختصة عن قدومه ومحل اقامته واركان سيارته في محلات خاصة لها، واردف محدثي قائلا: سألته هل هو مختص بذلك فقال ضاحكا نحن هنا جميعا مسؤولون عن الامن والنظام، وقد صدق الرجل فطيلة بقائي في مدن الاقليم رأيت وعيا امنيا وشعورا عاليا بالمسؤولية وثقة مطلقة بالاجهزة المختصة بحماية امن الاقليم اينما ذهبت وفي كل زاوية او مكان، بل اكثر ما اثار اعجابي هو حديث المواطن عن تلك المؤسسات بفخر واعتزاز بما تقوم به، دون ان اسمع عن مداهمات او اهانة لمواطن او اسرة بادعاء حفظ الامن او ملاحقة متهم، كما يحصل في كل المدن العراقية الاخرى.
حقيقة ادركت وانا استمع الى محدثي ان قوات حرس الإقليم ووكالة حماية امن اقليم كردستان وبقية المؤسسات المختصة انما نجحت في ادائها حينما استطاعت ان تنال ثقة المواطن واحترامه ومحبته ومن ثم تعاونه دون ان تترك نافذة او نقطة خلل او ضعف يتسلل منها الارهاب او التخريب، رغم ما تتعرض له من حملات تكاد ان تكون منظمة لتشويه ادائها او اعطاء صورة مغايرة لواقع الحال كما يحصل من البعض حينما يتحدثون عن الاجراءات الامنية أثناء الدخول الى الإقليم او تعاطيها مع ملفات الارهاب.
إن الأمن والسلم مهمة مشتركة بين مجموعة من الاطراف اهمها المواطن بحد ذاته، فنجاح أي عملية او خطة مرهون بمدى تعاون هذا المواطن وقبل ذلك الحصول على احترامه وثقته ومحبته لبقية اطراف المعادلة وفي مقدمتها الاجهزة المخولة بحماية امنه وامن البلاد.
التعليقات