quot;كيف استطاع صدام حسين أن يدير الحرب مع إيران؟quot; سؤال وجهه مضيفنا إلى سعادة السيد غافل جاسم، السفير العراقي في عمان، بعد أسابيع قليله من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. كان السفير ضيف شرف على مائدة صديق مشترك. وكان معظم الحديث يدور حول الحرب العراقية الإيرانية quot;وعبقرية صدام حسينquot; وكيف استطاع العراق بقيادته أن يجبر إيران أن تقبل وقف إطلاق النار، والذي شبهه الخميني آنذاك quot;بتجرع السم.quot; وكان معظم الموجودين يدلون بدلوهم في الحديث عن حرب الثماني سنوات وكيف استطاع العراقيون، بقيادة الرئيس صدام حسين، أن ينهكوا إيران ويهزموا جيوشها الجرارة.

كيف استطاع صدام حسين أن يدير الحرب مع إيران؟ سمع السفير جاسم السؤال، وظهرت على وجهه علامات الاهتمام، ممزوجة بابتسامة تدل على أن في جعبته قصة مثيرة، واتجهت كل العيون إلى سعادته وأصبح الكل آذانا صاغية.

قال جاسم: quot;هذه القصة سمعتها من عبد الجبار شنشل، المستشار العسكري للرئيس صدام حسين، في صنعاء عندما كنت سفيرا هناك وجاء شنشل في زيارة ليسلم رسالة من الرئيس صدام حسين للرئيس اليمني.quot;

قال جاسم انه وجه نفس السؤال أعلاه لشنشل على العشاء في بيته في صنعاء، مشيرا أن صدام حسين لم يدرس في أكاديميات عسكرية عليا ولم يكن يملك الوقت والخبرة الكافية في التخطيط العسكري quot;فكيف استطاع أن يدير الحرب بهذا الاقتدار العسكري والمقدرة الفذه؟quot;

فروى له شنشل كيف خطط صدام حسين لهجوم مضاد شنه العراقيون على الإيرانيين على جبهة البسيتين. قال شنشل: quot;عندما بدأ التخطيط للهجوم المضاد دعا السيد الرئيس صدام حسين كبار القادة العسكريين إلى اجتماع وأمر كلا منهم أن يضع خطة لهذا الهجوم وأن يعودوا إلى اجتماع ثان بعد يومين ليقدموا خططهم له. وكان من ضمن هؤلاء القادة العسكريين أنا وعدنان خيرالله. وجاء القادة بعد يومين وفي جعبة كل منهم خطته، وأعطي كل منهم الوقت الكافي ليشرحها.

quot;وجلسوا حول الطاولة، مؤدبين كالعادة، وبدأ كل منهم يقف ليشرح خطته مستعينا بالخرائط المفصلة، ومعطيا أمثلة تعتمد على خبرته السابقة مع الإيرانيين وعلى تاريخ هذه الحرب والعلوم العسكرية.

quot;وعندما انتهوا من تقديم خططهم قال لهم السيد الرئيس: إن خططكم بلا شك ممتازة ومبنية على ما درستموه من علوم عسكريه تلقيتموها في الأكاديميات الحربية التي تخرجتم منها. ولكنني أريد منكم أن تنفذوا الخطة التي سأعطيها لكم.
وشرح الرئيس باختصار خطته للقادة ثم قام من مقعده معلنا أن الجلسة قد انتهت، وغادر الغرفة.quot;

ويضيف شنشل: quot; نظرنا إلى بعضنا البعض ونحن خارجين من الاجتماع، وقلت لعدنان خيرالله إن هذه الخطة ستنتهي بنا إلى كارثة وعليه أن يذهب إلى السيد الرئيس ويحاول إقناعه بالعدول عنها. فقال لي عدنان: أنا اتفق معك تماما ولكنني لا استطيع أن افعل ذلك. واقترح علي أن اذهب أنا للسيد الرئيس، بما أنني مستشاره العسكري، وان أتوسل إليه أن لا ينفذها، فقلت له أنني أيضا لا استطيع أن افعل ذلك.quot;

ويختم شنشل قصته قائلا: quot;وبدأ تنفيذ الخطة، وبعد أيام تبين أن العراقيين انتصروا في المعركة وان الإيرانيين منوا بهزيمة ساحقة. وعندما اجتمعت القيادة لتقييم نتائج المعركة التفت إلي ٍالسيد الرئيس وقال لي، وعلى وجهه ابتسامة عريضة: أنا عرفت أن خطتي لم تعجبك يا عبد الجبار. أنا اعلم أن الخطط التي قدمتموها، أنت وزملاؤك، كان يمكن أن تكون هي الخطط الصحيحة لو كان العراق يحارب عدوا متعلما ومتمدنا، وقد نجحت خطتي أنا -- لأنه هيتش عدو وده هيتش خطة.quot;

وضحك الحضور وأبدى كل منهم إعجابه الشديد وكأن لسان حالهم يقول: ألم اقل لكم إن صدام حسين عبقري؟ أما أنا فكنت أفكر بثلاثة أرباع مليون جندي إيراني وربع مليون جندي عراقي قتلوا في المعارك بالإضافة إلى المدنيين. ومع ذلك رأيت أن استغل جو الانبساط هذا والمديح للرئيس العراقي وابدي الملاحظة التالية التي قدرت أن السفير والدبلوماسيين العراقيين الآخرين و الحضور سيستوعبونها ولو بصعوبة، فقلت: هذا الانتصار يثلج الصدر، وبما أن خطر إيران قد زال في الوقت الحاضر فأنا متأكد أن الإعلام والصحافة العراقية ستمنح القليل من الحرية فتنمو وتحسن أداءها.

وعندها اختفت بشاشة سعادة السفير بشكل كلي ورمقني بنظرة فاحصة وخارقة كالسيف، فيها كثير من الغضب المستتر، اخترقت صدري ونفذت من ظهري، ولكنه لم ينطق ببنت شفة. وسادت لحظات من الصمت الثقيل المحرج، وعندها سارع مضيفنا وغير الموضوع بطريقة لبقة. وعندها حمدت الله كثيرا لأنني أبديت هذه الملاحظة البسيطة نسبيا بدل الملاحظة الأخرى التي كانت تدور في ذهني، لأنني كنت أريد أن أقول: quot;أعتقد أيضا أن صور الأقمار الصناعية الغربية لمواقع القوات الإيرانية كان لها الأثر الكبير في نتائج الحرب. فهل كان السيد الرئيس يطلع شنشل وخيرالله والقادة الآخرين على هذه الصور؟quot;