أنهيت حواري الأخير مع والدي (سليم البصون) بمناسبة صدور كتابه quot;الجواهري بلسانه وبقلميquot; وهو يبتعد باتجاه نهر تحيطه النخيل ينشد من قصيدة الجواهري الخالدة quot;حيّيْتُ سفحكِ من بُعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتينquot;. ويعدني في أن يزورني ثانيةً وثلاث.
ها هو والدي قد وفى بوعده وترآى لي مرةً أخرى.
قلت يا والدي لقد أسردتُ حوارنا الأخير على الملأ وكان هناك الكثير من التعليقات الإيجابية. لفت نظري احد التعليقات من مفكرة وباحثة من جذور عراقية ndash; ايملي (امل) بورتر- تعرفت عليها مؤخراً من خلال المراسلات. لقد اعترضت على أن نطلق على يهود العراق quot;الجاليةquot; بقولها:
quot;فان اليهودية أو أي دين آخر أو قومية أخرى يدين أو ينتمي لها العراقي الذي هو من اصل ارض العراق لا يطلق عليه صفة الجالية لأنه ابن الوطن واليهود أبناء العراق وليسوا جالية أجنبيةquot;.
وبما أن مصطلح الجالية اصبح متعارفاً عليه للتعبير عن ما يعرف باللغة الإنكليزية quot;كوميونتيquot; أثار هذا فضولي، خاصة أن اليهود في معظم البلدان الذين تواجدوا فيها يوصفون بالجالية. قاطعني والدي قائلاً: أن أميلي محقة في القول أن اليهود أبناء العراق ليسوا جالية أجنبية، أو بالأحرى لم يكونوا هكذا.
فأجبت أبي أني أعلم أن جذر الكلمة هي جلا وقد استشرت القواميس العربية التي أكدت أن جالية هي جماعة من الناس تعيش في وطن جديد بعد أن جلوا عن وطنهم. لقد فكرت يا والدي هل نحن جالية لأننا في الأفق البعيد كنا قد أجلينا من أرض الميعاد من قبل نبوخذ نصر قبل أكثر من الفي وستمائة سنة.
وهنا ضحك والدي قائلاً: فكرة تستحق التأمل، يعني بعد كل هذا كل التاريخ في العراق كنا جالية! ربما كان من الأصح أن نقول الطائفة اليهودية كطيف من أطياف العراق. أتعلم أنه عبر التاريخ سمينا بأسماء عدة ndash; العبرانيين، بني إسرائيل، يهود بابل، الطائفة الإسرائيلية وبعد إنشاء دولة إسرائيل عُرفنا بالطائفة الموسوية لحساسية بأن نوصف بالإسرائيلية.
قلت يا أبي حسب قراءتي للمصادر اللغوية مثل لسان العرب لأبن منظور quot;أن الجالية كمصطلح استعمل كوصف لأَهل الذمة. والجالية كل من لزمتهم الجزية من أَهل الكتاب وإِن لم يجلوا عن أَوطانهم لأَن عمر بن الخطاب أَجلاهم عن جزيرة العرب لما تقدم من أَمر النبي محمد. فسموا جالية ولزمهم هذا الاسم أين حلواquot;. يعني أن هذا المصطلح قديم، إن لم تكن مسلماً فأنت جالية.
وأضفت أن الكاتب المرحوم يوسف رزق الله غنيمة كان قد كتب في كتابه المشهور quot;نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراقquot; الذي صدر في سنة 1924 عن quot;الجالية اليهودية في بابل وبين النهرينquot;. من الممكن أن تكتب اليوم quot;الجالية اليهوديةquot; في الشبكة العنكبوتية (التي كلمتك عنها في لقائنا السابق) ليظهر لك هذا المصطلح في مئات الآلاف من المواضيع والدراسات بغض النظر عن أي بلد نتحدث.
فأجابني كنا في النصف الأول من القرن الماضي احدى المكونات الرئيسية في العراق خاصة في المدن الكبيرة - بغداد، البصرة... يقال في أوائل القرن العشرين كان اليهود يشكلون حوالي ثلث نفوس بغداد. تخيل ما يعني هذا - كنا نحن الأغلبية، اذا أخذنا بنظر الاعتبار من سكن بغداد من بقية مكونات الشعب العراقي وصنفتهم عرقياً، دينياً أو مذهبياً.
فأجبته لكن أنت استعملت مصطلح الجالية حينما قلت quot; أنت تعلم كم هي كانت صعوبة البقاء في العراق بعد أن أُعدم وقُتل العشرات من اليهود وبعد هجرة بقية الجالية ومن ضمنهم أنت وأختيك كهرمان ونيران quot; ndash; فهل عنيت هذا؟
فقال لا أعلم هل هي زلة لسان أم عنيت هذا؟ لقد شعرت أننا اصبحنا جالية في عقر دارنا بالرغم أننا عشنا في العراق قبل الفتح الإسلامي بأكثر من الف سنة. اذا كنا نحن من أبناء البلد الأصليين، فكيف يحق سن قانون يُسقط الجنسية العراقية عننا لأننا رغبنا في وقت ما ولأسباب مختلفة للخروج من العراق؟ كيف يحق أن تُسقط الجنسية عن طالب يهودي ذهب للدراسة ولا يجدد جوازه ليصبح لاجئ كما حصل لك في بريطانيا في سنوات السبعينيات؟ على أي أساس أسقطت الجنسية عن المعتقلين السياسيين اليهود بعد اطلاق سراحهم من السجون، حتى الذين كانوا ضد الصهيونية؟ بعد خروجي من العراق، ساءلت نفسي مراراً هل كنا غرباء؟ أكنا في المنفى أو في وطننا الأم ؟
قلت لكن فكرة المنفى موجودة في الفكر اليهودي- في اللغة العبرية جولا / جالوت معناها المنفى والشتات. هذا يعبر عن تصور اليهود في حالة ومشاعر أمة اقتلعت من وطنها وتخضع لحكم أجنبي. هذا المصطلح ينطبق أساساً إلى التاريخ والوعي التاريخي للشعب اليهودي من السبي البابلي إلى إنشاء دولة إسرائيل. كيهود أينما كنا في العالم كنا ننشد بالعبرية ولمئات السنين: quot;إن نسيتك يا اورشليم تنسى يميني ndash; ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم افضل اورشليم على اعظم فرحيquot;. عندما كنا نقص قصة خروج بني إسرائيل من مصر في عيد الفصح في كل سنة كنا ننهي القصة بان نتمنى أن نكون في السنة القادمة في اورشليم. يمكن أن نرى هنا الجذور المشتركة بين اللغتين العربية والعبرية - جالية وجولا.
وأضفت أن اميلي قد أجابتني بعد أن أخبرتها عن مصدر كلمة الجالية بان quot;نترك تلك القواميس وشروحاتها وننطق باللغة والمفردات والمصطلحات الحديثة التي هي سائدة وكلمة كوميونتي تعني الآن المكون أي المكون اليهودي للمجتمع العراقي أو المكون المسيحي أو الكردي أو اليزيدي وهذا ما متعارف عليه وما قد اتفق عليه المؤرخ والسياسي والفرد العراقي عامة والجاليات تنطبق على كل مجموعة غريبة تسكن منطقة لا ترتبط بها تاريخيا أو جغرافيا الخquot;. لكن سؤالي يا أبي هو كيف وهل نستطيع أن نوازن بين المفهومين ndash; جالية ومكون؟ بين أن نرى انفسنا، نحن الذين ولدنا في العراق، كعراقيين أو أننا كنا جالية مهما ارتبطنا تاريخيا وجغرافيا بالعراق؟ أنا اعلم أن صراع هذه الأفكار قد حسم قبل عشرات السنين بغض النظر عما اذا هُجّر أو هاجر يهود العراق. فما رأيك، أنت؟
فأجاب والدي أذا أخذتني كوطني عراقي ولدت في العراق وعاش فيه أجدادي لمئات السنين فانا مبدئيا مع وجهة نظر اميلي. اذا سألتني هذا السؤال في الأربعينيات وحتى بعد مجزرة الفرهود لكنت أجبتك باني لا اعترف بأي تعريف غير العراقي. لكن بعد أن هاجر معظم يهود العراق في أوائل الخمسينيات، وبالرغم من عدم هجرتي، بدأت اشعر إننا، إن لم نكن جالية، فقد اصبحنا جالية.
إن كان تعبير المكون بمعنى العنصر فإننا كلنا كنا عناصر في تشكيل الهوية العراقية لفترة من الوقت على الأقل. لقد كنا كقطع جميلة في فسيفساء العراق. ولكن للأسف أن الكثير من هذه القطع قد سقطت والصورة لم تعد متكاملة.
.فأجبته أن هذا تعبير جيد ولكن الوضع الآن أسوء مما قد تتخيله. الطائفية البغيضة ظهرت بأسوأ صورها، تحرق الأخضر مع اليابس. ياما سقطت قطع في الماضي من الفسيفساء واستطاع المخلصون والشرفاء إعادتها وإصلاح الصورة ولو ليس في جمالها الأصلي. لكن الآن، سرعة التدمير تفوق سرعة البناء. ربما استطيع أن اعبر عن هذا استعارياً من علم الكيمياء. وهنا ابتسم والدي وقال يعني رجعت لأصلك ndash; كيف؟ فأكملت: لقد تفاعلت المواد الخام وشكلت مواد جديدة لكن بعض هذه التفاعلات أنتجت منتجات ثانوية سامة يصعب إزالتها.
لننظر إلى بداية تاريخ العراق الحديث - قدم فيصل ابن الحسين إلى العراق في سنة 1921 وبمساعدة بريطانيا ليتبوأ عرش مملكة جديدة خلقت حدودها من الولايات العثمانية بغداد، البصرة والموصل. هكذا اصبح شمال العراق بأعراقه من الأكراد والعرب والتركمان والكلدانيين والاثوريين واليزيديين تحت راية واحدة. في هذه العملية وبسبب الظروف الجيوبوليتيكية فقد أكراد العراق (وكذلك أشقاءهم في تركيا وايران وسوريا) الحق في إنشاء دولة كردية مستقلة. هكذا أصبحت القبائل العربية السنية مع شيعة الجنوب تحت حكم بغداد المركزي. أنا اعلم إنني ابسط الحالة.
في تموز من ذلك العام أقامت الطائفة الإسرائيلية (كما عُرفت آنذاك) حفلاً للملك فيصل حيث قال في خطاب له: quot;ولا شيء في عرف الوطنية اسمه مسلم ومسيحي وإسرائيلي بل هناك شيء يقال له العراق... واني اطلب من أبناء وطني العراقيين أن لا يكونوا إلاّ عراقيين، لأننا نرجع إلى أرومة واحدة ودوحة واحدة هي دوحة جدنا سام وكلنا منسوبون إلى العنصر السامي، ولا فرق في ذلك بين المسلم والمسيحي واليهودي ... quot;
هذا كلام جميل جداً ولكن هل كان هذا تصنيف ديني أو عرقي؟ ماذا عن بقية الأديان والأعراق؟ من ناحية اليهود نعم لقد شعروا بالمساواة في بداية حكم الملك فيصل وتبوأ الكثير منهم مراكز مهمة في إدارة الدولة ولكن سرعان ما تدهورت الأوضاع خاصة بعد انتشار الأفكار النازية في العراق. الكل يعترف الآن أن مذبحة الفرهود في 1941 كانت بمثابة دق جرس إنذار بان بقاء اليهود في العراق هو مسألة وقت. ثم تم سن قانون تسقيط الجنسية وهاجر أغلبية يهود العراق إلى إسرائيل في 1951 - هذا موضوع طويل بحد ذاته.
لننظر لصورة اكبر قليلاً، لما حدث فقط خلال العشرين سنة الأولى من تأسيس الدولة العراقية 1921-1941 وبغض النظر عن الأسباب التاريخية والسياسية - قمع الثورات والمحاولات الانفصالية للأكراد بقيادة محمود الحفيد ثم البرزاني، ثورة الاثوريين ومذبحة سميل التي تلتها، ثورة العشائر في الفرات الأوسط ، ثورة اليزيدية في سنجار، مهاجمة الحي اليهودي في بغداد ووقوع عمليات النهب وحرق المساكن على اثر مقتل الملك غازي، وأخيرا الفرهود ضد اليهود، اضف إلى ذلك الانقلابات والاغتيالات التي جرت خلال عقدين.
وهنا قاطعني والدي مبتسماً ndash; أخذتنا حاصل فاصل، لنرجع إلى المحور الأساسي، هل كنا جالية أو مكون في العراق. أنا باعتقادي كلنا كنا من مكونات الشعب العراقي. ولكن شعورنا كأقلية وكجالية كان يتذبذب في قوته حسب معاملة السلطات لنا. حرية ومساواة أو اضطهاد وتمييز. بعلاقاتي الشخصية كان لي أصدقاء احبة من كل الأديان والمذاهب، حتى من ذوي الآراء السياسية التي كنت أعارضها. لقد شاركنا في بناء الدولة العراقية الحديثة وشاركنا في النضال السياسي لخلق مجتمع افضل واخلصنا لهذا الوطن. لم نكره العراق في احلك ظروفنا.
فأجبته أنت صادق في هذا الوصف ولكن ما أردت أن أقوله أن بناء دولة حديثة متمدنة تحتوي على مزيج من أقليات قومية ودينية ومذهبية صعب جداً في احسن الظروف، يتطلب سلطة منتخبة ديمقراطياً و قيادة متنورة تحترم وتعطي المساواة لكل أطياف المجتمع. ولا ننسى أن في العراق هناك أيضا مجتمع قبلي وهناك صراع بين البداوة والحضارة.
لا أحد ينكر أن نشوء الحركة الصهيونية ثم إعلان دولة إسرائيل قد عقد الأمور ليهود العراق ولكن المشكلة هي اعمق - ممكن تلخيصها في الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة ولمكونات العراق في بناء دولة حديثة متمدنة أساسها نظام ديمقراطي علماني يكفل حرية الأديان والمذاهب والآراء والمساواة الحقيقية لكل أطياف الشعب. أذن المسألة هي ليست إن كنا مكون أو جالية. المهم هو كيف يُعرّفنا الأخرون وكيف نُعرّف انفسنا على ارض الواقع.
هناك مقولة أخرى للملك فيصل في سنة 1921 quot;أقول وقلبي ملآن أسىًhellip; إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل.quot;
هنا قال والدي - لقد تشربت منذ نشأتي على أن هناك شعب عراقي فمن الصعوبة علي اني أتقبل إننا كنا quot; تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنيةquot; لقد هاجرت من العراق وانا قرابة الخمسين عاماً فلا عجب في رأيي ولكن أنت جيل آخر، ما شعورك وقد تركت العراق كشاب ولأين تنتمي؟
قلت كنت عراقياً وانا بعد أن فارقته قبل اكثر من أربعين عاما ndash; يعني ثلثي حياتي خارج العراق، أتألم لما يجري هناك. ولكن منذ أن وعيت، ربما من سن العاشرة وحتى أن غادرته، شعرت إننا أقلية وجالية مضطهدة - خاصةً في نهاية الستينات / أوائل السبعينات بعد أن قُتل العشرات من اليهود من دون أي ذنب ارتكبوه. كيف استطيع أن انسى اني يهودي quot;مختلفquot; عن بقية الشعب. لقد نشأت واليهود يوصفون بكل الموصفات السيئة والبذيئة في الصحف والإذاعة والتلفزيون. لكني بالرغم من هذا الشعور لم ولا اشعر بضغينة للعراق أو لشعب العراق.
لا أعرف ما هو الانتماء وما معنى الوطنية. أنا اعتقد أنها ربما مصطلحات بالية بمفهومها التقليدي في زمن العولمة وسهولة وسرعة الاتصالات. أنا أؤمن بمفاهيم إنسانية تتعدى الحدود السياسية والقومية والدينية والثقافية. الانتماء لي هو صورة مركبة تعتمد على الزمان والمكان. أين ولدت، أين نشأت، تاريخي، ديني، تراثي، لغاتي وكيف اعبر عن أفكاري ومشاعري، ثقافاتي، مجتمعي، عائلتي، سعادتي ndash; إن كنت سعيد فهذا هو موطني ولا أقول وطني. لي حقوق وواجبات في أي موطن ارتأيت ويسمح لي أن اسكن فيه. إن انتُهكت حقوقي فهذا ليس موطني وان لم اخلص له فلا يحق لي العيش فيه.
وهنا ابتسم والدي وقال يظهر إننا لدينا الكثير مما نستطيع أن نتحدث عنه. لقد افتقدتك حينما سافرت وأنت ابن الثانية والعشرين ولم أراك كل السنين بعد ذلك - فقط لأيام هنا وهناك. سأذهب الآن ولكن سأزورك في المستقبل القريب لنعاود الحوار. هل لديك ما تضيف؟
فقلت أن المضحك المبكي هو أن الأغلبية من الكتاب يدركون أن هجرة اليهود من العراق كان خسارة كبيرة وهو بداية الانحدار. انهم يكتبون الآن بكل حرية ويحاولون أن يحللوا الأسباب وتبعات هذه الهجرة. حتى أن بعضهم يدعون إلى تعويض يهود العراق عن خسارة الممتلكات وهناك من الكثير ممن يعربون عن تمنياتهم في عودة اليهود إلى العراق!
فأجابني والدي أن الحقيقة بحلوها ومرها لا بد من أن تظهر للعيان مهما طال الزمن. وأضاف أن التعويض والأمنيات بعودة يهود العراق هم مواضيع تستحق حوار آخر. لكن قل هل سنتكلم عن مكون يهودي أو جالية يهودية؟
فأجبت خوفي هو أنه في حين أن المثقفين العراقيين جاهدون في النقاش حول معنى هذه المصطلحات ونياتهم طيبة، الواقع على الأرض يجبر quot;الأقلياتquot; العرقية (سميها جاليات، مكونات) مغادرة العراق ndash; من مسيحيين وصابئة، ويزيدين... هذا عن غير ما تحصده التفجيرات اليومية على خلفية مذهبية من شيعة وسنة. هناك الملايين من العراقيين يعيشون خارج العراق كجاليات تلاقي صعوبة في أن تنصهر في مجتمعاتها الجديدة. اذا لم يتوقف نزيف الدم والتحريض الطائفي البغيض في العراق سيضطر العراقيون أن يستخدموا قريبا مصطلحات: الجالية المتمدنة، الجالية المثقفة ، جالية الشهادات الأصلية! أو قل المكون المتمدن... للتعبيرعما فقده ويفقده العراق.
من هذه الناحية نحن يهود العراق كنا أوفر quot;حظاًquot; في أن نشق لأنفسنا ولأولادنا وأحفادنا مستقبلاً افضل.
وهنا بدأ والدي يبتعد وهو ينشد أبيات من احدى قصائد الجواهري الخالدة:
أي طرطرا، تطرطري تقدمي ، تأخري
تشيعي، تسنني تهودي، تنصري
تكردي، تعربي تهاتري بالعنصر
تعممي، تبرنطي تعقلي، تسدري
تزيدي، تزبدي تعنزي، تشمري
في زمن الذرّ إلى بداوة تقهقر
أي طرطرا تطرطري وهللي، وكبري
وطبلي لكل من يخزي الفتى، وزمري
وعطري قاذورة، وبالمديح بخري
والبسي الغبي والأحمق، ثوب عبقري
وافرغي على المخانيث دروع عنتر
التعليقات