تنتقل المعارك في سوريا إلى مرحلة جديدة، بعقلية إجرامية أكثر مما كانت عليها في الماضي وأفظع مما هي عليها اليوم، لا يستوعبها لا عقل ولا يشرعه دين ولا تتقبله الإنسانية.. إن تأزم الوضع في سوريا وأنتقال النزاع إلى هذه المراحل الجديدة من حيث نوعية السلاح المستعملquot; الكيميائي quot; إلى نوعية خلط الأوراق واستدراج أطراف لبنانية بهذه التفجيرات المتتالية في الآونة الأخيرة، والصمت الدولي القاتل المكتفي بالقاء الخطابات والتنديد والاستنكار وببعض العقوبات وفي نفس الوقت المستمر بعمليته ولعبته التي اوصلت البلاد والعباد إلى ما نحن عليه اليوم، ستوصل المنطقة وستضعها امام إبادات جماعية وعرقية وطائفية ومذهبية، وتقسيم جغرافي لا مهرب منه، لأن الجزء الذي يتعلق بالتقسيم الطائفي والمذهبي قد تم وبنجاح مبهر، بالاعتماد على الطائفية الدفينة الخامدة في مجتمعاتنا...

ومن طرف آخر لم تتوقف تبادل الإتهامات من هنا وهناك ومن هذا وذاك، من نظام إلى معارضة، إلى أطراف اقليمية ودولية لم تشبع دماء وزهق ارواح، ذكرناها سابقاً ونعود إلى ذكرها اليوم، هذه الحروب سوف توصل سوريا ولبنان والمنطقة الى نقطة اللاعودة، إلى نقطة انهيار الدولة والقيم الانسانية وسحق الوطن والمواطنة والتعايش.. إن استدراج أطراف مجاورة بشكل مباشر وبهذه الطريقة البشعة إلى مستنقع الدم السوري، والتي هي أصلاً بشكل أو بآخر تعتبر جزء أو طرف من وفي هذا الصراع الجاري، سيوسع دائرة الصراع لتشمل كل مكونات وطوائف المنطقة.. وإن استمرت هذه اللعبة ستمحوا المنطقة وسكان المنطقة ٌقبل أن تقسمها...

لم يعد واضحاً ولم نعد نعرف ما هي نوعية الحرب الجارية في سوريا بشكل خاص وفي الشرق الأوسط بشكل عام، هي حرب على من؟.. ومع من؟.. وضد من؟.. ومن هم المستهدفين؟.. ومن هم المستفيدين؟.. ومن هم الطرف الثالث؟.. ولكن ما بات واضحاً ومعروفاً للجميع أن الشعوب هي التي من تدفع الثمن باهظاً، والشعوب هي من تُقتل وتُذبح وتُخطف وتُشرد وتُهجر وتُغتصب وتُباع في سوق النخاسة وتُعامل معاملة لا تمس بالإنسانية لا من قريب ولا من بعيد، والأوضح أن الدولة انهارت والوطنية فقدت والطائفية انتشرت والمذهبية أُعلنت، وأنقسم المجتمع ما بين أكثريات وأقليات، والتقييم أصبح من شأن كل شخص، الكل يقيم الكل، لم نعد نعرف الخائن من الوطني، وأصبح الكلام عن الوطن يحتاج الحذر والتفكير ألف مرة قبل فتح الحديث أو النقاش، وأصبح الشك يقتل المجتمع، والثقة انعدمت، والسؤال الأول الذي يخطر على بال كل مواطن في مجتمعاتنا اليوم عند مقابلة نظيره في الوطن، هو quot; يا ترى هل هو موالي أم معارضquot;؟.. قاتل أم مقاتل؟.. جندي أم ارهابي؟.. ثائر أم شبيح؟.. حر أم مأجور؟.. كافر أم مؤمن؟.. حتى ضمن عائلة أو جماعة أو مجموعة أو وحدة واحدة.. أسئلة وأسئلة، وما أكثرها مع الأسف من أسئلة لا تنتهي.. ولا تعليق...

أصبح من الصعب أن تعود الشعوب إلى ما كانت عليه من ترابط ولحمة وتعايش.. وإن عادت سيعود ذلك السؤال يدور في ذهن كل مواطن ويفتك بما تبقى من عقله، السؤال الذي سيبقى من دون جواب.. من هؤلاء من حولي؟.. هل هم أبناء وطني؟.. من طائفتي؟.. من مذهبي؟.. هل كانوا مع الثورة أم مع النظام؟.. هل قتلوا وساعدوا في قتل أو اغتصاب أو خطف فرد من أفراد عائلتي؟..هل هم من شردونا؟.. هل وهل وهل وهل... ولا تعليق...

كيف ستستمر هذه الشعوب بالحياة؟.. لا تعليق...

ومن أوصلنا إلى هذا؟.. والأهم ممن أوصلنا إلى هذا، كيف سنخرج من هذا؟.. لا تعليق...

حالة من الهلع والذهول تنتاب شعوب المنطقة، حيث انعدمت الانسانية في سوريا ومن يجاور سوريا ومن يتاجر بسوريا، حتى أصبحت سوريا مجرد مشروع يتقاتل ويتحارب الجميع للحصول عليه بدون أن يرف لهم رمش عين، من دون التفكير في هذا الكم الهائل من قتل الأبرياء والمدنيين والأطفال والنساء، أصبحت سوريا حديث العالم، والصورة السورية هزت وجدان العالم، وهنا أقصد وجدان الشعوب وليس الدول والحكومات، فما تفعله الدول ليست إلا تجارة بدماء السوريين وغيرهم من شعوب المنطقة...

نحن أمام بركان كان في حالة غليان حتى الآن، ولكن إذا لم يخمد ووصل إلى حالة الثوران، فسيحرق الحياة في كل ما حوله...