تتلاحق انكسارات الشعب السوري وأحلامه التي رسمها منذ عقود من أجل الحرية و الكرامة التي سلبها النظام السوري بقيادة الاسدين الاب و الابن و حاشيتهم السياسية البعثية العروبية. أحداث على المستويين السياسي و العسكري من خداع و سلب و نهب و قتل على الهوية و استخدام السلاح الكيماوي و قطع الرؤوس تتخطى شرحها أو تفسيرها العقل البشري في الكثير من الاحيان لكن.... الواضح من كل ما يجري من تدمير و قتل و إبادة للشعب السوري بمكوناته أن المسبب ليس مجرماً واحداً أو عصابة واحدة بل عصابات منظمة تجتمع في أهدافها التي تنحصر في تدمير سورية بالكامل.

ما يجري في سورية ليس حرباً بالمعنى الحقيقي للكلمة و هي ليست ثورة و هي ليست أيضاً حرباً طائفية أو قومية إنما هي عملية يمكن تسميتها شذوذ أخلاقي و انساني لمجموعات ركبت الجسد السوري و الدم السوري.

إن المتابع لما يجري في سورية يدرك و بسهولة أن شذوذاً اخلاقياً لمجموعات عالمية اقليمية عربية يُمارس دون أي رادع حيث لا فرق كثيراً في التأثير السلبي و المميت على واقع النتائج القاتلة من قبل تلك المجموعات ليس فقط على المستوى الوضعي العام بل على المستوى الاخلاقي و النفسي للمواطن السوري من شأنها أن تدوم لاجيال و تؤثر على عملية التنمية البشرية. فالغرب و أمريكا و منذ اليوم الاول للثورة السورية حينما كانت ياسمينة إلى اليوم و إلى هذه اللحظة التي أصبحت الثورة دماً و تشريداً و تهجيراً تخطو نفس الخطاب بشأن النظام السوري و هي لم تخطو خطوة ايجابية واحدة لوقف العملية الحربية الجارية من جانب النظام على الشعب و لعل الاسباب و على ضوء عناصر الحدث نفسه تتجلى في الكثير من المواقع أولها البديل القادم لسورية و مدى تمثيل هذا البديل للمصالح الغربية و الامريكية و يبدو أن البديل المفترض إلى هذه اللحظة لم يستطع الوصول إلى مستوى التمثيل الغربي و الامريكي في مستقبل سورية بعد النظام و هي للاسف حقيقة تبدو واضحة للمهتمين و المتابعين للمعارضة العربية السورية و على المستويين السياسي و العسكري، فالبنية السياسية و الاخلاقية لهذه المعارضة و على ضوء ممارساتها لا توحي إلى القيم و المبادئ التي قامت الثورة السورية من أجلها من قيم العدل و المساواة و حقوق الانسان، فمعظم المعارضة العربية لازالت تعيش حالة الانتماء القومي و الديني الضيق و المغلق و لا تعترف بالآخر المختلف لا بل و يقاتل و يحارب ذاك الآخر تحت حجج و مبررات غير علمية و غير واقعية كما الحال اليوم في المناطق الكوردية السورية و مهاجمة العديد من المنظمات و المؤسسات السياسية و العسكرية من قومجية عروبية و دينية سلفية لها لا بل و ممارسة حرب إبادة ضد الجزء الكوردي غير العربي من سوريا كما حصل في تل أبيض و تل عران و تل حاصل الكوردية من تهجير و تدمير للممتلكات الكوردية فضلاً على القتل الذي تمارسه المجموعات العسكرية المرتبطة بالمعارضة السياسية و بهذا لا تختلف هذه المعارضة كثيراً عن النظام السوري الحالي لا فكراً و لا سياسة و لا ممارسة في تعاملها من المحيط الاجتماعي و السياسي لها و هذا ما يُشعر الغرب و أمريكا بالقلق من مستقبل سوريا و مصالحها فيما لو استلمت هذه المعارضة السلطة في سورية، كما أن قيادة ما تسمى جبهة النصرة و الدولة الاسلامية في العراق و الشام المرتبطين بتنظيم القاعدة عملياً و على أرض الواقع للحرب في سورية و تبعية البعض من كتائب ما يسمى بالجيش الحر لهذه القيادة افرغت الصراه الثوري الحقيقي و الثورة من قيمها و مفاهيمها الديمقراطية و هذا ما جعلت الريبة و الشك يتحكم في الموقفين الاوربي و الغربي تجاه القادم من الايام السورية بعد أن تدخلت الكثير من العناصر الغريبة عن الثورة و عن الشعب السوري و لعل الموقف الامريكي الاخير و الذي جاء متناقضاً حيث أكدت المؤسسة العسكرية أنها لن تتدخل عسكرياً في سورية لأن المعارضة السورية لا تمثل المصالح الامريكية و موقف البيت الابيض اليوم من أن جميع الاحتمالات واردة في حين أن الموقف الامريكي لم يكن بهذه القوة في الجلسة الخاصة لمجلس الامن الذي انعقد الاسبوع الماضي أمام الموقف الروسي الذي وقف حاجزاً امام اتهامٍ رسمي للنظام السوري باستخدام الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية قبل يومين لا بل و اتهمت جهات عسكرية معارضة بالفعل، و هذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن المعارضة الشاشاتية // التي تظهر فقط على شاشات التلفزة // لا زالت تتبع نظريتها الميثولوجية و الغيبية في اسقاط النظام و تبتعد عن الواقع و عناصره.

أما الجانب الروسي و الايراني و الصيني فهو الجانب الاصدق مع حليفها السوري و المتمثل بنظام بشار الاسد البعثي حسب الوقائع الموجودة في الممارسة العملية لهم و هذا ما يزيد من قساوة النتائج على المستقبل السوري على الاقل في المدى المنظور، فأصدقاء النظام هم في حالة حرب عملية ضد مايسمونه بأصدقاء الشعب السوري فالأخيرة ما زالت شاشاتية و إعلامية و تنظيرية بين الخطوط الحمر و السود في حين أن أصدقاء النظام يخترقون الاحمر و الاسود و الابيض بما يخدمهم و ما يخدم النظام البعثي في سورية محققة يوماً بعد يوم الارباح الخيالية في تجارتهم للسلاح و أدوات الفتك البشرية التي أصبح الشعب السوري حقلاً للتجربتها.

إذا ما المطلوب من المعارضة في ظل ذلك، فمعطيات هذه المعارضة توحي بالفشل في قيادة الثورة و الشعب اأقصد بالذات الائتلاف الوطني السوري و قبله المجلس الوطني السوري و أجنحتها العسكرية لان المكون الفكري و السياسي غير قادر على استيعاب عناصر اللحظة الاجتماعية التي ننتمي و تنتمي إليها الثورة فمعظم من يسير في هذه الدائرة المغلقة للمعارضة هم نتاج فكر بعثي عروبي قومي أو ديني سلفي تقودها الاخوان المسلمين و لم و لن يستطيعوا التحرر من الاشتراطات و القيود التاريخية والنصوص الدينية المرسومة لهم عبر قرون و يبقى المعوّلُ الرئيس هو إما إعادة نظر هذه المعارضة في بنيتها السياسية و إعادة ترتيب نفسها سياسياً و فكرياً و الخروج من الدائرة الدينية و القومية الضيقة و استيعاب الواقع كما هو و ليس كما هم يتخيلونه و هذا للاسف يبدو صعباً للغاية أو تعود المعارضة الاقل انغلاقاً و المؤمنة بسورية مدنية حضارية من مؤسسات ثقافية و سياسية و شخصيات لها ثقلها الاكاديمي و الجماهيري بما فيها الحركة السياسية الكوردية الأكثر ديمقراطية من بين القوى السورية الاخرى لِلَم الشمل السياسي و الفكري و توظيفها في التحقيق للهدف الوطني بصرف النظر عن الحجم و الكم العددي لها و القفز على الانتماءات الاجتماعية و السياسية الضيقة، فالواقع المأساوي الخطير الذي تعيشه سورية يحتاجه عقول خطيرة لمواجهة المد الارهابي المجنون الخالي من أية نزعة انسانية سواء كان النظام و القوى الغريبة على سوريا و ثورتها.

5 ملايين مواطن لاجئ
5 مليون نازح داخلي
أكثر 150 الف قتيل
أكثر من مليون منزل مدمر
الاقتصاد صفر
هذه المعلومات تقديرية.