رغم وجود اختلافات كثيرة وكبيرة بين معظم من حكموا البلاد العراقية، إلا أن المراقب المنصف يدرك إن منطلقاتهم الأساسية متطابقة أو متقاربة بشكل مثير، بل إن توجهاتهم وان اختلفت في بعض التفاصيل إلا أنها تصب في مجرى واحد، فلم تختلف كل الأنظمة وزعمائها في أصل الفكرة التي يتعاملون بها مع القضية الكوردية مثلا، فلا تكاد ترى فروقات في النتائج النهائية لسياسة كل من حكم العراق منذ فيصلها الأول وحتى مختار زمانها الأخير.
ولعل ابرز من اتفق في المنطلقات مع اختلاف المسميات والمواقع والتوجهات هما الرئيسان عارف الأول والمالكي، حيث دخل الأول في حرب ضروس مع الكورد، ولا أراني مجحفا وأنا أتذكر مقولة بائسة للرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف حينما قال له احد العقلاء لنعمل على إيقاف نزيف الدم في شمال الوطن، وكان يقصد ما كان يسمى في حينها بحركات الشمال والتي هي حرب ضد حركة التحرر الكوردية التي اندلعت في أيلول 1961م بقيادة الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني، فرد عليهم عارف ساخرا: " وانتوا شنو خسرانين خلو كاكا خورشيد وعبد الزهرة يتعاركون!؟ " والمعنى واضح جدا حيث تتضح أهداف الحرب في حرق الكورد والشيعة، ويقصد بعبد الزهرة هنا أغلبية العسكر الذي كان يضمهم الجيش كجنود ومراتب، وجلهم من شيعة الجنوب والوسط، وبخورشيد الكورد، وهما بالتالي مكونان أساسيان للدولة العراقية يتحاربان لحساب الحاكم الذي يحمل هذه الثقافة الفكرية والسياسية ونظرته إلى مكونين رئيسيين يقصيهما تماما بل انه يحاول ابادتهم من خلال مقولته أعلاه!
وتوالت الأيام وسقط عارف هاويا من طائرته ليتحول إلى قطعة من فحم بعد إن دبر له البعثيون مكيدة أدت إلى إسقاط طائرته في يوم مغبر عاصف كاليوم الذي سقطت فيه طائرة عدنان خير الله طلفاح، ويذهب فيها إلى الجحيم رغم انه كان يكنى بالرئيس المؤمن من قبل طاقمه الإعلامي، الذي تناسل منذ&ذلك الحين حتى ابتكر كنية أكثر كاريزمية فأطلق على نوري المالكي بمختار العصر، بل إن احدهم، أي من شلة الراقصين على حبال دولة الرئيس طلب استنساخه لكي لا تحرم منه الأجيال القادمة.
أعود إلى مقاربتهما في الفعل والفكر والثقافة رغم اختلافهما في العديد من الأمور، لكننا سنتطرق إلى ما يقربهما إلى بعضهما، وخاصة في معيار وطني مهم جدا تسبب في تخلف البلاد وانهيارها منذ تأسيس كيانها الإداري كدولة وحتى يومنا هذا، فلقد تم تنبيه نوري المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة العراقية من قبل إقليم كوردستان والولايات المتحدة إلى خطورة تطور ونمو داعش غرب الموصل، إلا انه اعتبر ذلك محاولة من الإقليم للتوسع ومن الأمريكان بالتدخل، وأعيدت الكرة عشية كارثة الموصل ولم يعر أي أهمية لتلك التنبيهات والتحذيرات، وكأنه لن يكترث بوجود خنجر في خاصرة الإقليم خاصة وانه على علاقة بائسة معه!
ويحلل الكثير ممن يفقهون توجهات المالكي بأنه غض النظر عن أمور كثيرة في موضوعة الإرهاب عموما وداعش خصوصا، حتى يذهب البعض منهم بأنه أراد فعلا أن تسيطر داعش على الموصل وتكريت والانبار وبعض من كركوك وديالى، انتقاما من أهلها الرافضين لسياسته وتوجهاته، ولكي يضع خنجر خاصرة أيضا للكورد وإقليمهم، وهذا ما حصل فعلا في عملية الاجتياح المريبة لداعش وتخاذل أو انسحاب قطعات مهمة جدا من القوات المسلحة تاركة كميات مهولة من الأسلحة والدروع والذخيرة وحتى بعض الطائرات العمودية.
وقراءة أولية لنتائج وصيغة تفكير الرئيسين عارف والمالكي تؤكد لنا وحدة المنطلقات وان اختلفت مواقع الأحداث ومسمياتها، ففي الثانية بقي معيار كاكا خورشيد كما هو وتم استبدال عبد الزهرة بعمر أو عثمان، حيث بانت اليوم عورات الجميع، وتبين إن القضاء على الكورد وطموحاتهم ومشروعهم الحضاري سيؤدي إلى تدمير كل البلاد، وان النتيجة لن تكون أفضل مما حصده كل رؤساء العراق وملوكه، فقد سقطوا جميعا وانتصر شعب كوردستان، بل إن ما حصل اليوم إذا ما كانت هذه خطة المالكي كما فسرها البعض، أكد بأن للكورد أصدقاء حقيقيون من الشعوب المتحضرة التي
سارعت للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حربهم الحضارية ضد التخلف والهمجية.
&
التعليقات