يقول خبراء إن الثورة الإيرانية قد ماتت، لكن نظرة معمّقة إلى دستور إيران، وإلى العقيدة التي قامت عليها هذه الدولة – القضية، كفيلة بتثبيت القناعة بأن أي اتفاق بين طهران والعواصم الأخرى مكر وخداع كافرين.
يشير كثيرون إلى أن ايران مستعدة لطوي صفحة ثورتها، والانتقال من عقود العداء للاميركيين إلى التعاون لترويض وحش تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وانهاء طموحها النووي أيضًا. يُحيي هذا الرأي وهم "ايران هي الحل"، الذي أغرى بعض الخبراء منذ ثمانينات القرن الماضي.
ماتت الثورة
المقال بالأنجليزية (هنا) |
نشرت مجلة إيكونومست البريطانية في وقت سابق من هذا الشهر سلسلة مقالات تضع الاقتصاد الايراني على شفير أزمة، لتخلص إلى القول إن "الثورة قد ماتت". وتذهب الرسالة الضمنية في ذلك إلى أن ايران بعد انحسار "الثورة" يمكن أن تبدأ بالتصرف كدولة طبيعية، تعمل من أجل مصالحها.
وفي الشهر الماضي، استضاف الرئيس الايراني حسن روحاني في نيويورك عددًا من المسؤولين الاميركيين السابقين، والمنخرطين في لوبيات وجماعات ضغط يروُّجون هذه الفكرة.
وقال روحاني لضيوفه: "ما لم تساعدنا الولايات المتحدة على التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي، فإنني لن أتمكن من تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها الاقليميين".
رأي إيجابي
إذا اعتبرنا إيران دولة، ليس هناك سبب يمنعها من اقامة علاقات سليمة مع الولايات المتحدة أو أي بلد آخر. وتبين عقود من استطلاعات الرأي أن لدى غالبية الايرانيين رأيًا ايجابيًا إزاء أميركا.
لكن ايران تعاني اليوم من انفصام الشخصية: فهي دولة، وبصفتها جمهورية اسلامية، هي كيان يحمل رسالة خلاصية أيضًا. وبدلًا من أن تكون الجمهورية الاسلامية في إيران جزءًا من الحل، ها هي في جذر النزاع الذي يمزق الشرق الأوسط، إذ أنشأت ميليشيات شيعية في لبنان وسوريا والعراق، ناهيكم عن افغانستان، بهدف تصدير ايديولوجيتها الخمينية.
وأثار سعي الملالي إلى اقامة امبراطورية مترامية الأطراف ردود افعال عنيفة من العرب السنة، وأتاح لجماعات ارهابية مثل تنظيم القاعدة بنسخه المتعددة، ومنها داعش، أن تجد لها جمهورًا جديدًا.
دولة طبيعية؟
ما دامت إيران "قضية"، فإنها لا تستطيع أن تقيم علاقات طبيعية مع أحد، وخصوصًا مع اميركا. فالتعايش بين الأمم ليس تعايشًا بين قضايا، وكيف يستطيع روحاني أو غيره أن يمارس التطبيع مع أي دولة حين تكون ايران نفسها دولة غير طبيعية؟
لدى ايران اليوم نظامان قضائيان، نظام اسلامي ـ ثوري ونظام تقليدي. ولديها جيشان أو ثلاثة متوازية، وعدة هيئات تشريعية قانونية وشبه قانونية، وحشد من السلطات السياسية والأمنية التي تنتهج سياسات متباينة.
في أي دولة طبيعية يعجز ثلاثة رؤساء سابقين، هم هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود احمدي نجاد، عن الحصول على جوازات سفر؟ في أي دولة طبيعية يمكث عشرات المسؤولين الكبار السابقين في السجون؟ في أي دولة طبيعية يوجد وزير سابق هو مير حسين موسوي، ورئيس برلمان سابق هو مهدي كروبي، تحت الاقامة الجبرية بلا تهمة؟
ومنذ أصبح روحاني رئيسًا لإيران، أُعدم فيها أكثر من 1700 شخص في ظروف غامضة، وسُجن عشرات الصحافيين والناشطين الحقوقين، وأُغلقت صحف عديدة. كيف يمكن للمرء أن يُسمي هذا وضعًا طبيعيًا؟
مشاكل مع الجوار
تواجه الجمهورية الاسلامية مشاكل مع البلدان الأخرى، بما فيها جاراتها، ملفها أكثر سماكة من دليل هاتف مدينة طهران. هاكم بعض الامثلة:
قطعت ايران علاقاتها الدبلوماسية مع 22 دولة، نصفها دول ذات أغلبية مسلمة، وطُرد دبلوماسيوها من بلدان بعيدة مثل الارجنتين واستراليا، مرورًا بتركيا والمانيا وفرنسا وبريطانيا.
احتجزت إيران، بصورة مباشرة أو من خلال عملائها، رهائن من نحو 30 دولة، بينها كوريا الجنوبية وايطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
اغتالت إيران 117 شخصًا في 20 دولة، من الفيليبين وتركيا والمانيا، ناهيكم عن الامارات العربية.
بعد 20 عامًا من المفاوضات، ترفض ايران وضع اطار قانوني لبحر قزوين، في حين أن الدول المتشاطئة ـ أي اذربيجان وكازخستان وروسيا وتركمنستان ـ اتفقت على صيغة تجاور.
تهديد ووعيد
بعدما مزقت الجمهورية الاسلامية الاتفاقيات الموقعة قبل الثورة بشأن تقاسم مياه الأنهر الحدودية مع افغانستان والعراق وتركمنستان، ترفض عقد اتفاقيات جديدة.
رفضت إيران العمل مع العراق لإعادة فتح شط العرب، وتمكين مدينة البصرة العراقية وخورمشهر الايرانية من استئناف العمل كموانئ كبيرة.
ترفض ايران تنفيذ الاتفاقية الموقعة قبل الثورة مع الكويت بشأن الحقول النفطية البحرية، مهددة بعمل عسكري إذا وقّع "الجانب الآخر" عقودًا مع شركات أجنبية.
خاضت ايران اشتباكات حدودية دورية مع باكستان، من أجل السيطرة على اراضٍ في بلوشستان.
أقامت ايران وجودًا عسكريًا متناميًا في سوريا، مجاهرة بهدفها وهو إبقاء بشار الأسد في السلطة، بصرف النظر عن عدد السوريين الذين يقتلهم.
مكر وخداع
إن اقامة علاقات طبيعية تتطلب توافقًا واعترافًا بشرعية الدول الأخرى. لكن الجمهورية الاسلامية في إيران لا ترى أن ايًا من الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها 56 دولة مسلمة، دول مشروعة، بل أن دستورها ذاته يلزم الدولة بـ"تصدير الثورة"، وينص على تعيين "مرشد أعلى" يكون زعيم الأمة بأكملها، شاء المسلمون أم أبوا.
وطالما أن ايران قضية، لا يستطيع حتى المرشد الأعلى علي خامنئي أن يطبِّع العلاقات مع اميركا أو غيرها. وحتى إذا وقع روحاني اتفاقيةً لتخفيف العقوبات، فان ذلك سيكون عملًا من أعمال "المكر" أو "خداع الكافر".
وكان روحاني اعاد التذكير قبل اسابيع قليلة فقط بأن الله نفسه "خير الماكرين".
التعليقات