كما إن هناك حرامية للدجاج والحمام وخاصة أيام المطر في القرى، وحرامية الملابس من على حبال التنشيف في الأحياء الشعبية بالمدن، وكما تتكاثر البكتريا والجراثيم في المواد المتعفنة والمياه الآسنة، وتنتشر الجرذان والفئران في مخازن المواد الغذائية والحبوب، تظهر وتتكاثر مجاميع من الحرامية والقومسيونجية في بيئة الأزمات، وبالذات عند وقوع الكوارث والحروب التي ينتج عنها نزوج آلاف المواطنين من المهاجرين أو الهاربين من أتون الحرب كما يحصل هذه الأيام مع نازحي داعش وشركائها حرامية الأزمات والكوارث، حيث يتم بيع وشراء وحتى تأجير مخيمات النازحين بين المنظمات والجهات الحكومية وغير الحكومية، طبعا من ذوي الاختصاص العالي والمتمرس في الفساد من سياسيين وموظفين تنفيذيين متميزين وذوي خبرة فائقة في سرقة الكحل من العيون كما يقولون، إضافة إلى تخصصهم الرفيع في كيفية تحويل دموع وآهات النازحين إلى عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات بأساليب في منتهى الرقة والحنان والبساطة، وهي لا تكلف أي جهد في التفكير أو التركيز، خاصة وهي تعتمد شللا من المساعدين و( لحاسي الغيم ) كما يقول الدارج العراقي توصيفا للمنتفعين والمرتزقة الصغار.
لقد انتعشت تجارة وعمولات كل المواد التي لها علاقة باحتياجات النازحين الأساسية وخاصة البطانيات والمواد الغذائية ذات المواصفات السيئة، بين بقالي تلك المواد وبقالي السياسة وموظفي الحكومات، ومع تضاعف إعداد النازحين فقد ارتفعت مستويات العمولات ومساحات الفساد بشكل مذهل دفع مجلس النواب إلى المطالبة بإحالة لجنة السيد المطلك إلى النزاهة، حيث يتم عقد صفقات لشراء تلك المواد بأسعار بخسة ونوعيات رديئة، وتقديم قوائم شراء للمانحين سواء كانوا حكومات أو خيرين من الأهالي أو منظمات إنسانية، بأسعار مضاعفة ومواصفات تختلف عن واقع حالها، وبأساليب وتوظيفات غاية في الحرفية اللصوصية مفعمة بمشاعر الحنية والعطف على النازحين الذين لا يدركون سر محبة هؤلاء الذين يذرفون دموع الحيلة واللصوصية عليهم؟
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة ليس في العراق فقط بل في ليبيا وسوريا وتركيا والأردن ولبنان وكل البلدان التي تعاني من أزمات وكوارث ونازحين ومهاجرين من بلدان الثورات السوداء، لا مدى تعاسة تلك الانتفاضات وما أنتجته، بل ومدى فساد الكثير من سياسييها وموظفيها التنفيذيين الذين يمارسون أسوء أنواع التجارة السيئة واللصوصية والاستهانة بملايين البشر واستغلال مأساتهم والتجارة بآلامهم، حتى تقمص الكثير منهم ادوار البطولة وصناعة نمور من ورق على صفحات الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي لإيهام الرأي العام بأدوارهم والتغطية على حقائقهم.
إن ظاهرة داعش ليست جديدة ووليدة عصابات إرهابية فقط، بل هي نتاج مساحات واسعة من الفساد واللصوصية، وتسلط النكرات والانتهازيين وأنصاف المتعلمين والأميين على رقاب الأهالي، وسيادة ثقافة الاستباحة للمال العام وللشرف العام، وهي بالتالي ثقافة التلذذ والاستمتاع بإيذاء الآخرين سواء بالقتل أو الذبح أو السلب والنهب، حقا بدأ عصر الجهل والهمجية والبدائية يستعيد شبابه في زمن الثورات السوداء!؟
&
التعليقات