ربما نجح البعض في إيجاد تعريف أو مفهوم لداعش كسلوك متوحش منظم ضمن عصابات تتمتع باستقلالية عن بعضها، وخاصة بالتصرفات والسلوك والاجتهادات والأحكام، وربما أيضا أدرك الكثير بأنها بعيدة كل البعد عما تعودناه من شعارات حول اسرائيل ومعاداتها الأرض المقدسة والعدالة، حيث غاب بشكل كلي أي ذكر لمفردات أتعبت أسماع وأذهان مئات الملايين المفجوعين في الشرق الأوسط، من قبيل الصهيونية والامبريالية، وما شاعته لسنوات طويلة ماكينة دعاية الحزب الواحد والرئيس الأوحد من شعارات وأهداف تتضمن إبادة المرتدين، وهم كل من يختلف معهم في الرأي من الطرف الآخر، وخاصة الكورد مسلمين كانوا أم ايزيديين، والمتهمين دوما بشتى الاتهامات اقلها أنهم يعملون لتجزئة الوطن وتدمير الأمة، حيث يتم تخييرهم بين الصهر وتصحيح الأصل (!) واعتناق دينهم الجديد ( للكورد الايزيديين ) أو الذبح والتهجير، بينما يمنح الآخرين من ( السماويين ) فرصة ( العبودية ) لهم ودفع الجزية، أما الشيعة فليس لهم خيار إلا الموت!!؟

بعد هذا الاستعراض السريع والمكثف لأهداف وسلوكيات داعش، نأتي إلى تداعياتها وما أفرزته من ظواهر وأنماط من التصرف لدى الساكنين في المساحات الرمادية، وأسميناهم بالفرقة التائهة التي يحسن توصيفها بدقة أكثر، إذا ما قلنا أنها كما الذي يضع قدما في الجنة وأخرى في النار مغرما بفوائدهما مجازا، حيث بانت مجاميع بشرية ليست قليلة، تتقارب أو تتطابق أحيانا كثيرة في تكويناتها الأخلاقية والقيمية والنفسية مع داعش، ولا تخفي تبرير ما تقترفه بشتى الذرائع، وخاصة اولئك المعادين لفكرة بناء دولة ديمقراطية اتحادية تعددية تضمن اعترافا وإحقاقا لاختيارات مكوناتها المصيرية، فمنذ هجمتها على الموصل وتكريت وبعض مدن الانبار ومن ثم على حافات كوردستان، انبرت مجاميع من التي تسكن الأماكن الرمادية لكي تكشف عن أنيابها فرحا بقدوم منقذها ومحقق رغباتها والمعبر الأكثر تطابقا عن أفكارها وأهدافها العليا، وخاصة أولئك الذين استخدمهم البعث وسلطة صدام حسين في قمع أي حركة مناوئة لنظامه، سواء في الوسط والجنوب، أو الذين استخدمهم في تعريب وتبعيث قرى وبلدات سنجار وزمار والشيخان ومخمور وكركوك وديالى وتكريت، ومعظمهم من درجات دنيا في المراتب الأمنية أو العسكرية أو الحزبية ومن طبقات متخلفة وأمية ومدقعة من الفلاحين والعمال والعاطلين، حيث تم تمليكهم أراض وبيوت ومنحهم رتب في مؤسسات الأمن والاستخبارات وفدائيو صدام وبقية الأجهزة الخاصة ذات الولاء المطلق لصدام وحزبه.

ومن هؤلاء أو من ذريتهم ممن تطور وانتعش في كنف تلك الأفكار العنصرية والشوفينية المقيتة ممن تسلقوا سلالم الجامعات أو الصحافة والإعلام أو مراكز الدراسات والبحوث، بل حتى من انتمى منهم إلى حركات مشابهة لذات المنطلقات الفاشية الشمولية، لكنها بفكر آخر ربما كان يتقاطع مع البعث في شكل الهيكل أو الاسم لكنه يحمل ذات السلوك والعقلية، كما هو في ممارسات كثير من مفاصل ممن حكم العراق منذ ما يقرب من عشر سنين، حيث ساهموا في تعميق الهوة بين مكونات البلاد وتكثيف الحقد والكراهية على خلفية طائفية وعرقية ومناطقية وسهلوا اختراق الجناح العسكري لداعش لأرض العراق ومؤسساته الأمنية والعسكرية والإدارية والمالية، الأمر الذي مكن ذلك الجناح من احتلال ما يزيد على ثلث مساحة العراق والعديد من المدن والمحافظات الكبيرة بما فيها من أهالي وأموال وثروات.

حقا لقد صدق مفكر داعش الكبير وعرابها صدام حسين حينما قال وهو يخاطب العراقيين، إنهم أي هو ومن آمن بفكره وعقيدته لن يتركوا العراق إلا حفنة تراب، وها هم يفعلون ما قاله ووعد به، فقد الغموا ونسفوا كل البلدات والمدن وما فيها من بيوت ومؤسسات حكومية ومباني عامة وطرق مواصلات لكي لا يسكنها من بعدهم احد!

&

[email protected]

&