منذ الثامن من شباط عام 1963م بدأت سلسة جرائم الحكم في العراق والتي اقترنت بأحداث يندى لها جبين الشرفاء في كل مكان، حيث دشنت مجاميع فاشية من تنظيمات البعث عمليات اغتيال لآلاف الشباب والشابات من الوطنيين العراقيين ممن يختلفون فكريا مع نهج البعث سواء في بغداد أو ما تلاها من المحافظات العراقية، والتي شهدت هي الأخرى زيارات زوار الفجر الذين اغتالوا البسمة والأمل على شفاه العراقيين منذ أكثر من نصف قرن وحتى يومنا هذا، فقد بدأ مشروع الرفاق منذ صبيحة الثامن من شباط 1963م باغتيال زعماء جمهورية العراق دون أية محاكمة قانونية بل بأسلوب إرهابي لا يختلف اليوم عما تقوم به عصابات القاعدة وغيرها من الميليشيات الطائفية المنحرفة، وهي تقتل مئات أو ربما ألاف الرجال والنساء لمجرد إنهم شيعة أو سنة أو مختلفين مع نهجهم الظلامي في الحياة، لتبدأ منذ ذلك الحين نافورة الدماء العراقية حتى يومنا هذا دونما توقف!؟
لقد استمرت حقبة الدماء التي هيمن عليها الرفاق حتى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لكي تسقط من أقلتهم بقطاراتها عام 1963م وتزيح هيكل حكمهم لتستبدله بآخرين يختلفون معهم بالأسماء والعناوين، لكنهم يمارسون ذات ثقافة الحكم والياته ومؤامراته وعمليات الإخراج والدبلجة والموناتج فيه، حيث اعترف احد أكثر ممثليهم صدقا في التعبير عن أخلاقياتهم وثقافتهم وهو الأكثر عراكا مع الآخرين؛ بان الأمريكان أزاحوا صدام حسين بسبب مشاكلهم معه، لكنهم لم يزيحوا النظام السياسي*، فعلا أسقطت امريكا الهيكل البعثي متمثلا بصدام حسين وإدارته، دونما أن تمس الجوهر رغم إنها أنتجت قانونا بغيضا لاجتثاث ( عام تام ) أو الأخضر واليابس ممن تورطوا وأصبحوا بعثيين طلبا للماء والكلأ والدينار المغري، دونما أن تمس ثقافة وسلوك الحرس القومي والأمن الخاص، التي ينتهجها النظام السياسي الجديد، والذي نجح في إعادة معظم جنرالات صدام حسين ووعاظه ومنظريه إلى مكتب القائد العام وبقية مفاصل الحكم القريبة منه!
ومنذ أن أقلت عربات قطار صناديق الاقتراع كتلة دولة القانون إلى دفة الحكم، ونصبت العملية السياسية بصفقة السيد المالكي رئيسا لمجلس
الوزراء، بدأت ملامح مرحلة أو حقبة جديدة تظهر للوجود بعد حقبة الرفاق، حيث تميزت هذه الملامح بتنصل الحاكمين الجدد عن كل اتفاقياتهم وإمضاءاتهم التي وقعوها مع الأطراف الأخرى التي ولتهم الحكم، كما فعل أسلافهم منذ توقيع الاتفاق على جبهة 1957 الوطنية قبل انقلاب تموز 1958 وحتى تأسيس دولة الرفاق مع كل الأطراف السياسية المتفقة معهم والمختلفة.
إن حقبة جديدة تطل على بلادنا تحمل بين طياتها إذا ما قدر لها أن تستمر أياما كالحة مليئة بالتناحر والتشرذم من خلال تفرد كتلة وحزب سياسي عقائدي لا يؤمن بالآخر المختلف كما فعل الرفاق من قبل ليقودوا البلاد ثانية إلى أتون حرب لا يعرف مدياتها إلا الله، فبوادرهم واضحة للعيان من خلال علامات كذبهم وخيانتهم للأمانة التي سلمت بأيديهم وهي الحكم باسم كل الشعب ونكثهم بالقسم والوعود والعهود التي وقعوها مع من يفترض أنهم شركائهم في الحكم، وصدق رسول الله (ص) في حديثه إذ قال: علامات المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا أوعد اخلف!؟
وأخشى ما أخشاه أن يضيع العراق بين الرفاق وأهل النفاق!؟
التعليقات