قبل أكثر من أربعة وعشرين عاما ذهب العديد من العقلاء إلى صدام حسين ينصحونه من مغبة تطور الخلاف مع الكويت إلى حماقة عسكرية تحرق الأخضر واليابس، وقبلها بعشر سنوات ذهب آخرون يترجونه بعدم اختيار الحل العسكري مع الجارة إيران، لكنه العقل السيئ الذي انزوت فيه شياطين الشر فاختار بالحالتين لون الدماء التي صبغ بها أبواب كل العراقيين من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، فلم تبقَ امرأة ثكلى بزوجها أو ابنها أو أبيها إلا ولعنته ولعنت اليوم الذي تسلط فيه على رقاب الأهالي إلى يوم الدين!
ودفع العراقيون خيرة شبابهم إلى أتون الحروب وهم صاغرون، إما قتيلا في طاحونة الجبهات أو معدوما رميا بالرصاص خيانة وتخاذلا أو هاربا إلى ارض الله الواسعة وهم قلة قياسا بالضحايا، ومن تبقى خرج من الحرب مجروحا أو معاقا أو ممسوح الجيوب من كل شيء، حتى تم تسريحه بعد هزيمة أم المعارك المخزية ليدخل مرحلة الإذلال الدولي والمحلي في واحدة من أبشع عمليات الحصار والتدجين المذلة والتي استمرت منذ دخول الكويت في آب 1990م وحتى سقوط هيكل النظام في حرب ما يسمى بتحرير العراق ومن ثم احتلاله،
أقول قولي هذا وأنا أعيد للذاكرة كيف إن صداما في نهاية كل حروبه تنازل وقبل بأقل مما بدأ من شروط ومطالب، فكانت هزيمته المخزية مع الحركة التحررية الكوردية في العام 1975م حينما تنازل لإيران عن شط العرب ومساحات واسعة من شرق البلاد مقابل محاصرة الزعيم مصطفى البرزاني وقمع ثورته، وفي حربه مع ايران احرق البلاد ودمر العباد من اجل كرسيه، وحينما أوهموه وعاظ السلاطين من حوله بأنه بطل القادسية ذهب خياله بعيدا فتوهم انه عنترة عصره ليغزو جارته الكويت ببطولات سوبرمانية مضحكة، حتى حمى الوطيس فرأيناه في خيمة أم قصر ذليلا مخزيا، ولم يتعظ وقد احرق ما تبقى من جنده وأهله حتى اسقط بغداد والعراق بأسره تحت الاحتلال وانزوى هو وعصابته في حفرة الهزيمة النكراء!
واليوم يعيد التاريخ نفسه لكي يدفع للعراق شخصية جديدة لكنها تبدو والعلم عند الله نسخة أخرى من أولئك الذين تولوا أمر هذه البلاد ليدمروها ويدمروا أنفسهم، انه يكرر ذات السيناريوهات حتى في أسلوب الخطابة والحماسة والتهديد والتفرد ومحاولة إلغاء الآخر أو تفريغه، فيرفض أي رأي مخالف ويهمش أي كيان معارض، ويراوغ ويتحايل ويغدر ولا يفي بوعد أو اتفاق، ولا يقبل أي نصيحة أو تنبيه لإحساسه بالعظمة أو العزة بالإثم، خاصة وقد أوهمه أولئك المحيطون به من مستشارين ومساعدين من ( لحاسين الغيم ) كما يقول المثل العراقي في توصيف وعاظ السلاطين الذين يؤسسون في مخيلته التي يشحنونها بداينمو مختار العصر الذي لا يعطيها لأحد مرة أخرى، بأنه على رأس جيش جرار وإمبراطورية نفط وموازنة بأكثر من مائة مليار، وان الآخرين ليسوا أكثر من أهداف بسيطة حينما يمتلك طائراته ( F16 ) التي لم يصبر على وصولها، فطلب من الشقيقة الحنونة جارتنا الغالية إيران أن ترسل طائراتنا الأسيرة هناك لتقوم بواجب الأخوة ضد الشعب العراقي المفجوع، بالتضامن مع جارتنا في العقيدة والبراميل المتفجرة سوريا الثورة والصمود!؟
أنهم يدفعوتك يا دولة الرئيس إلى هاوية الغرور والعزة بالحكم والسلطة تحت يافطة الكتلة الأكبر متناسين إن كتلتك إنما هي الأكبر في محيطك ليس إلا، فلم يكن بين من انتخبوكم من خارج الشيعة إلا عدة آلاف هنا وهناك لكونكم في السلطة فقط، فلا تأخذك نتائج الانتخابات لكي تعتلي عرش العراق فما أنت إلا رئيسا لحزب وكتلة نالت أصواتها في محيطها المذهبي ليس إلا، وآخر دعوانا من العلي القدير أن يلهمكم العقل والحكمة وقبول النصيحة فارحل يا رجل واستر علينا فإننا لم نر من أيام حكمك خيرا ولا نجد في ما تبقى من أيامك وإصرارك على الولاية إلا مستقبلا اسودا لبلادنا!؟
&
kmkinfo@gmail،com
التعليقات