&

&
كان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة يقول في أغلب خطبه،خصوصا الاخيرة &منها عندما أحسّ بقرب نهايته،بإنه لا يخشى على تونس من اعدائها الخارجيين،بقدر ما يخشى عليها من أبنائها!وأظنّ أنه على حكمة في ما قال مستندا في ذلك الى التاريخ الذي كان عارفا به ،وعالما بأسراره وخفاياه.فتونس توافدت عليها شعوب وحضارت وثقافات مختلفة ومتنوعة ومتنازعة في ما بينها.وربما كان عالم النفس الشهير غوستاف يونغ على حق عندما أشار الى انه آشتمّ رائحة الدم حالما وطأت قدماه أرض تونس،وكان ذلك في أول عقد العشرينات من القرن الماضي. لها السبب ،حرص الزعيم بورقيبة حالما تولى السلطة عند حصول تونس على آستقلالها عام 1956، على سنّ قوانين،وآتخاذ قرارات كان الهدف منها نزع فتائل العشائرية والقبليّة التي كانت متفشية في البلاد ،متسببة في التفرقة والتنابذ بين أبناء البلاد،ومتيحة للإستعمار الفرنسي فرصة بسط نفوذه ،وتبرير سياسته الظالمة.وبفضل تلكم القرارات وتلكم القوانين،نجح الزعيم بورقيبة في صدّ وضرب كل المحاولات التي كانت تستهدف الوحدة الوطنية التي كانت بالنسبة له صمّام الامان لبناء الدولة الوطنية الحديثة التي كانت هدفه الاسمى حتى لا يظل الشعب التونسي "حفنة من غبار" كما وصفه ذات يوم أحد الجنرالات الفرنسيين!
لكن ،وللأسف الشديد،تعيش تونس راهنا أوضاعا خطيرة للغاية قد تعصف بها ،وتجعل منها مسرحا للصراعات والنزاعات والفتن القاتلة.فقد استغلت بعض الاحزاب التي تدعي التقدمية ،والدفاع عن الحرية والديمقراطية ،الفوضى التي أعقبت سقوط نظام زين العابدين بن علي لتشعل النار في كثير من المناطق ،محيية النعرات القبلية والعشائرية في مناطق الجنوب والوسط،وناشرة ثقافة بدائية متخلفة تقوم على الإنتقام والتشفي والكراهية.
أحد المتزعمين للتيار القومي ،وهو من أقصى الجنوب التونسي ،نسي قوميته التي تنادي بتوحيد العرب من المحيط الى الخليج ليدعو من أحد المنابر الإعلامية إلى ضرورة منع سكان منطقة الساحل(المنطقة التي ينتمي اليها بورقيبة وكثير من الزعماء الوطنيين الكبار والواقعة على الشريط البحري الممتد من سوسة الى المهدية) من التصويت في الإنتخابات والمشاركة في الحكم على مدى عشرين عاما!وخلال العام الماضي،وبعد فشله في الإنتخابات الرئاسية،أطلق الناشط الحقوقي السابق محمد المنصف المرزوقي حملة"وينو البترول" موهما أهالي الجنوب بأنهم ينامون على حقول شاسعة من النفط قادرة على أن تحوّل مناطقهم الصحراوية البائسة الى جنات عدن!وقد آستجاب الكثيرون لتلك الحملة المسعورة،وخرجوا الى الشوارع ليحرقوا المراكز الأمنية ،ومؤسسات الدولة.أما الجمعيات الإرهابية المتربصة بالبلاد فقد وجدت الفرصة سانحة لإدخال كميات كبيرة من السلاح من ليبيا المشتعلة .وفي أكثر من مرة،سعت حركة النهضة الإسلامية إلى استعمال الدين لبث الفرقة بين التونسيين مقسمة إياهم إلى كافرين ومؤمنين ،أو إلى اسلاميين وعلمانيين.
وفي مطلع العام الحالي،أنقض اليساريون المتطرفون المنتسبين الى "الجبهة الشعبية" التي تضم شيوعيين وبعثيين وقوميين على حادثة انتحار شاب عاطل عن العمل في مدينة القصرين (وسط البلاد بالقرب من الحدود مع الجزائر)ليحثوا الأهالي &على العصيان والنزول الى الشوارع للحرق والنهب وترويع المواطنين.
وابتهاجا بكل هذه الاعمال الإجرامية التي لن ينتج عنها سوى المزيد من خراب البلاد،وهلاك العباد،صرح أحد قادة الجبهة المذكورة ،وهو من الذين أصبحوا من ضمن أثرياء العهد الجديد، بأن تونس في حاجة الى أن تعيش ثورة ثانية!
نعم ...هو على حق! فبضل الثورات يزداد ثراؤه فحشا ليرقص سعيدا على الاطلال مرددا :أنا ...أنا ...أنا...وبعدي الطوفان!
&