&

يوم الجمعة من الاسبوع الماضي، اقتحمت مجموعات غفيرة من المواطنين العراقيين الغاضبين المنطقة الخضراء ذات التحصينات القوية، واحتلوا لفترة مبنى رئاسة الحكومة حيث يقع مكتب رئيسها "السيد حيدر العبادي" ومبنى مجلس النواب، في مشهد يذكر باقتحام الالاف من المتظاهرين المنطقة الخضراء في الثلاثين من الشهر الماضي حيث سيطروا على مبنى مجلس النواب وقاموا بتحطيم بعض اثاثه واجهزته، الأمر الذي ادى الى تعطيل اعماله حتى يومنا هذا.&
الأسباب التي دعت هذه المجموعات الغاضبة للقيام بهذا العمل هي الأسباب نفسها، اي فشل الحكومة في إقرار اصلاحات لمكافحة الفساد والفقر والبطالة وتقديم الخدمات الضرورية وعجزها عن توفير الأمن للمواطنين. استخدمت قوات الأمن العراقية الرصاص الحي والمطاطي ومدافع المياه والغاز المسيل للدموع لاخراج المحتجين من المنطقة، مما ادى الى مقتل اربعة مواطنين واصابة اكثر من تسعين آخرين. بدوره اتهم رئيس الوزراء "السيد حيدر العبادي" البعثيين والدواعش – المتحالفين معهم – بجر العراق الى الفوضى والفتنة، وهدد بإحالة المتظاهرين "الذين اطلق عليهم صفة المخربين" الى المحاكم.
سيدي رئيس الوزراء، كأي مواطن عربي يدمي قلبي ما يحدث في العراق من دمار طال البشر والحجر منذ الاحتلال الأمريكي الغاشم الى يومنا هذا، واتساءل: لماذا دائما تلقون بمسؤولية ما يحدث في العراق منذ مغادرة قوات الاحتلال الى يومنا هذا على البعثيين والدواعش؟ الدواعش إحتلوا ثلث العراق في عهد "نوري المالكي"، والبعثيين من المفروض انكم اقتلعتموهم من السلطة نهائيا بمشروعكم البائس المسمى "اجتثاث حزب البعث".
في اعتقادي المتواضع ان مسؤولية ما يحدث في العراق منذ العام 2003م الى يومنا هذا يقع على حزبكم الذي تولى السلطة منذ رحيل القوات الغازية، وذلك لضعف خبرتكم السياسية، وتعميقكم للطائفية الدينية، والفساد الذي استشرى في المجتمع العراقي منذ وصول حزبكم الى السلطة في عام 2006م برئاسة "السيد نوري المالكي".
لو كنتم تفقهون قليلا في علم السياسة لما وافقتم على حل الجيش العراقي، الذي ادى الى حرمان حوالي 300 الف مواطن عراقي من مصدر رزقهم. ماذا تتوقعون من جنود عاديين او ضباط برتب عادية – وهم الأغلبية في الجيش - فقدوا مصدر رزقهم (لا لشيئ) سوى انهم كانوا ينتسبون لجيش بلادهم؟ هل يقفون على نواصي الشوارع يتسولون من المارة؟ سوف يتحالفون مع الشيطان للانتقام منكم، وهذا ما حدث فعلا. &
اما مشروع اجتثاث البعث، فالبعث من الاحزاب القومية العربية له جذوره وتاريخه وعقيدته وفكره، على الرغم من فداحة اخطاء بعض قادته ممن تولوا زمام الحكم سواء في العراق او في غيره من البلدان العربية. والفكر (اي فكر كان) كالدين لا يمكن اجتثاثه من عقول وقلوب المؤمنين والمعتقدين به. وعليه اقول (من دون ان احسب على اي حزب): حزب البعث ليس مزرعة من نخيل واشجار حتى يمكن اجتثاثه بسهولة من تحت الارض. كان الأولى ان تدعون قادة الحزب الشرفاء ممن لم تتلطخ ايديهم بدماء العراقيين الى المشاركة في العملية السياسية في إطار النظام الديمقراطي الجديد القائم على سيادة القانون والتبادل السلمي للسلطة والاحتكام الى الشعب عبر صناديق الاقتراع. لماذا لم تأخذوا العبرة من قادة وشعوب دول أوروبا الشرقية التي تحولت الى الديمقراطية بطريقة سلمية من دون إراقة للدماء وتدمير ثروات البلاد وقتل العباد، ومن دون إقصاء احد بما فيهم الأحزاب الشيوعية التي اذاقتهم المر لمدة سبعين عاما.&
أما الفساد الذي استشرى في المجتمع العراقي، فيكفي ما صرح به علانية قبل فترة قصيرة النائب في البرلمان "السيد مشعان الجبوري". أما االطائفية المذهبية فهي واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار، فأغلب الأحزاب السياسية تشكلت على اساس طائفي بحت.
هناك مسلمة اتفقت عليها جميع الأمم وأقرها الحكماء والعقلاء في العالم، مفادها ان استقامة النظام العام وانتظام حياة البشر مرهونان بوجود الدولة ذات السلطة القادرة على فرض النظام. ومن المسلمات ايضا ان حماية البلاد واستقلالها وتماسكها والمحافظة على خصوصياتها القومية والدينية والتاريخية مرتبط بضرورة قيام سلطة نابعة من ذاتها، معبرة عن ثقافتها وهويتها تحفظها وتدافع عنها. وهناك وظيفتان للسلطة:
الأولى: حفظ النظام الداخلي للبلاد، وتنمية المجتمع وإعطاء كل ذي حقه، والحيلولة دون بغي افراد الشعب على بعضهم البعض، او تطاول اقويائهم على ضعفائهم، وغير ذلك من الوظائف النوعية المتعلقة بمصالح العباد والبلاد ضمن حدود الدولة.
الثانية: مقاومة تدخل الأجانب في شؤون البلاد والاحتياط من مؤامراتهم، وتهيئة القوة الدفاعية والاستعداد الحربي والمعنوي وغير ذلك من الاجراءات اللازمة للمحافظة على استقلال البلاد.&
العراق حاليا دولة فاشلة بكل المقاييس، ومرتهن لقوى دولية واقليمية تتحكم في مساره، هذا ما تؤكده المنظمات الدولية، وهو في طريقه الى التفكك اذا لم يتداركه الحكماء والعقلاء من شعبه.&
&