&أوجين روغان أستاذ مرموق في جامعة "أكسفورد " في بريطانيا. وهو معتزّ بأن يكون "حفيدا "للمؤرّخ اللّبناني ألبرت حوراني الذي كتب الكثير عن تاريخ العرب المعاصر. ومؤخّرا أصدر روغان كتابا هامّا عن تاريخ العرب من عام 1500، وحتى الفترة الرّاهنة. وهو كتاب آنشغل بتأليفه منذ فترة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش التي شهدت آحتدام الصّراع بين الغرب، والشرق بسبب حرب العراق،وأفغانستان.

وقد آختار روغان المصادر العربيّة، مفضّلا إيّاها على المصادر الغربيّة لتقديم قراءة " من الدّاخل " لتاريخ العرب. ويقرأ الكتاب بمتعة كبيرة لما يتوفّر فيه من متعة القصّ، وبراعة التحليل، وسلاسة اللغة، ومهارة الأسلوب.وفي حوار أجري معه، قال أوجين أورغان:” في الخمسينات والستّينات من القرن الماضي، مرّ العرب بفترة حماس كبيرة. فقد كانوا ينتظرون أن يحقّقوا بأنفسهم، ومع زعمائهم أحلاما كثيرة. وفي نهاية الحقبة الإستعماريّة كانوا يأملون في أن يتمكّنوا من أن يجدوا لأنفسهم مكانة بين الدول القويّة، والكبيرة. غير أن الأحداث سوف تتدرّج من سيّء إلى أسوأ. وكان وجود ما كان يسمّى بالإتحاد السوفياتي كقوّة تقلّص من نفوذ الغرب المكروه جدّا يسمح لهم بأن يأملوا في نوع من البديل الممكن. غير أن آنهيار جدار برلين تركهم يتامى، ومن دون أمل". ويضيف روغان قائلا: ”عندما يكون هدفنا كتابة تاريخ شعب مّا عبر خمسة قرون، وعلى آمتداد قارّات ثلاث، فإنّه يتعيّن علينا أن نوفّر تركيبة، ونقاطا مرجعيّة. بالنسبة لي، من بين الأشياء التي يتميّز بها التاريخ المعاصر للعرب هي أنه آنطلاقا من الإحتلال العثماني، وجد العرب أنفسهم مجبرين على أن يعيشوا قواعد اللّعبة التي يختارها آلآخرون، ويبتكرونها.

آنطلاقا من هذا، آخترت أربع حقب بآعتبار المكان الذي يكون فيه مركز السّلطة. أن يصبح العثمانيّون أسياد المناطق العربيّة في تلك الفترة، ماذا يعني ذلك؟ ويمكننا أن نجيب أن الأمر يتعلّق بآستبدال آمبراطوريّة المماليك السنيّة بآمبراطوريّة تركيّة. في حدّ ذاته لم يكن يعني ذلك تحوّلا ثقافيّا كبيرا. إلاّ أنه يمكننا القول أنه لأوّل مرّة في تاريخهم يحكم العرب آنطلاقا من عاصمة أجنبيّة، والتي هي ألأستانة، وليس من قبل دمشق، أو بغداد، أو القاهرة. الأحداث تتوالى عبر القرون،والتّجاذبات ظهرت في بدايات القرن العشرين. والعرب قرّروا أن يصبحوا أسياد أنفسهم سواء من خلال مشروع دولة فيديراليّة، أو من خلال الإستقلال. لكن مع نهاية الحرب الكونيّة الأولى، عوض أن ينشئ العرب أنظمة خاصّة بهم، أصبحوا تحت السّيطرة الإستعماريّة فتغيّرت عندئذ مراكز القرار لتبتعد بآتّجاه لندن وباريس".

وعن ثورات ما أصبح يسمّى ب"الرّبيع العربي"، يقول روغان بإنه لا أحد كان ينتظر من ثورات كهذه تحوّلا سهلا. فكما هو معلوم، الثورات غالبا ما تكون غير متوقّعة، ومتغيّرة، ودمويّة. واليوم نجد الناس حزانى،ويائسين. فقد كانوا ينتظرون أن تحدث أشياء كبيرة،غير أنهم وجدوا أنفسهم يرتدون الى الماضي، ويخسرون ما كانوا قد حصلوا عليه في ظلّ الأنظمة المنهارة. ويعتقد اوجين روغان أن النّجاح الذي حقّقه الإخوان المسلمون يفسّر بأنهم كانوا التّنظيم السياسيّ الأشدّ صلابة من النّاحية التّنظيميّة، والأكثر ثراء إذ أنه علينا ألاّ نغفل عن التأثير المالي في كلّ هذا. فمن كان مثلا يعلم بوجود حزب"النّور" السّلفي في مصر قبل بضع سنوات؟ إنّ صعوده كقوّة آنتخابيّة لا يفسّر بالمال وحده، وإنّما بسوء تنظيم القوى التي ساهمت في الثورة غبر أنها فشلت في الإنتخابات. مع ذلك لا يخفي روغان تقاءله. فاللّعبة لم تنته بعد.وتحقيق الحد الأدنى من الديمقراطية في عالم عربيّ تعودت شعوبه منذ قرون مديدة على العيش في ظلّ الطغيان والإستبداد يتطلب تضحيات جسيمة، وجهودا عسيرة ومضنية. ولا يحبّ روغان عبارة"الربيع العربي"إذ أنها تموّه الحقائق، وتخلط بينها.

فمن المعلوم أن كلّ ثورة كان لها مسار مختلف عن مسار الأخرى. فلا شيئ يربط مثلا بين الثورة في تونس، وبين الثورة في اليمن. كلّ شيئ يتغيّر بحسب الظروف المتقلبة، والأحادث المتسارعة. وما شهدته البلدان العربية لا يمكن آعتباره بأي حال من الأحوال ثورات حقيقية، ولا سيناريوهات سحرية ينعم العرب في نهايبتها بحياة شبيهة بحياة المجتعات الغربية.