ليس غريباً أن يتداول نشطاء أتراك صورة لخريطة جديدة، قالوا إنها تمثل الحل الأنسب لتركيا، وتنهي مشاكلها على المدى البعيد، مطالبين حكومة أردوغان بالعمل على تطبيقها بكل الطرق، هذه الخريطة تضم إلى تركيا مناطق من شمال سوريا، وخاصة محافظة حلب، إلى جانب مناطق شمال العراق، المتمثلة في إقليم كردستان وجبال قنديل، التي يتمركز فيها مسلحو حزب العمال الكردستاني.

هذا دليل على أن هناك سياسة عثمانية ممنهجه، أدت إلى تبن شعبي متزايد بضرورة ضم مناطق من شمالي سوريا والعراق إلى تركيا، في حين يتهم بعض العرب أنقره على استحياء وبأخفض صوت ممكن، بالسعي للتوسع في الدول العربية، واستعادة أمجاد الدولة العثمانية، وإذا كانت الحكومة التركية نفت مراراً وجود أي أطماع لها في الأراضي السورية، وأكدت أن الجيش التركي سوف ينسحب من الأراضي السورية، فور إنهاء خطر المنظمات الإرهابية، فإنها كمن يكذب على نفسه، إذا آمنا أن ما يجري هو "جس نبض" لقراءة ردود الفعل المنتظرة على خطوة متهورة كهذه.

وكالات الأنباء ووسائل الإعلام التركية خاصة الحكومية الناطقة بالعربية، تطلق أسماء تركية على مدن وقرى سورية، وليس ذلك بعيداً عن قرار أو توجه حكومي بهذا الخصوص، حيث تُحكم السلطات قبضتها على أنفاس الأتراك، بعد محاولة الجيش التركي العلماني التوجهات، الانقلاب على مشروع السلطان الجديد للدولة العثمانية العتيدة، وإذا كان بعض السوريين شعر بخطورة ما يجري التخطيط له، فاعتبروا أن تصرف هذه الوكالات ليس أكثر من مؤشر على أطماع تركية في الأراضي السورية، يعبر عن حنين للماضي العثماني.

عند تلك الوكالات، على سبيل المثال، يطلق على جبل التركمان في ريف اللاذقية اسم "بايربوجاق"، ويطلق اسم "جوبان باي" على بلدة الراعي، ويسوّغ بعض "عرب تركيا" من الإخوان المسلمين ومن هم على شاكلتهم، بأن استخدام هذه الأسماء جاء ليتعرف عليها المواطن التركي، مع أنها ناطقة بالعربية، ونحن نعرف أن العربية ليست لغة متداولة في تركيا، وتمادى آخرون في إبراز الولاء لفكرة استعادة أمجاد دولة السلاطين، فأبدوا استغرابهم من إثارة قضية كهذه، باعتبار أن هذه الأسماء تركمانية، تُطلق على مناطق تعيش فيها أغلبية تركمانية، تستخدم هذه الأسماء منذ مئات السنين.

بالتزامن مع بداية حملة تتريك أسماء المدن العربية، ثمة أخرى تتمثل بشن هجوم حاد على اللاجئين السوريين في تركيا، باعتبار أن الجيش التركي يحارب في حلب، بينما يقضي الشبان السوريون أوقاتهم على السواحل وفي المنتجعات، مع مطالبات بعدم منح الجنسية التركية لمن لا يلتحق بقوات المعارضة، التي تقاتل إلى جانب الجيش التركي في إطار عملية درع الفرات بشمال سوريا، وعلى أساس أنه حتى لو انسحب الجيش النظامي، وهذا مستبعد، فإن من سيظلون في "الأراضي المحررة" هم أتراك بالتجنيس، ولو أنهم من أصول سورية، وبذلك يستحقون حماية دولتهم الجديده.

وبعد، فهل يصحو "عربان آخر زمان" على ما يخطط لوطنهم الكبير، أم أنهم سيتركون لخلافات قادتهم البينية فرصة لاستقطاع المزيد من الأرض العربية لصالح تركيا، لتلتحق باللواء السليب، ونتبارى بعدها في إطلاق التسميات على الممناطق المستقطعة، مثل المحافظة المستلبة أو الشمال الحزين كتجاوب طربي يتناسب مع أغنية فيروز ليالي الشمال الحزينه.