إنه غير مفاجئ أنْ تحذّر موسكو إيران من "أيِّ تهوّرٍ" وأنْ تهدّد "بالإنسحاب من معاهدة حظر الإنتشار النووي إنْ أحال الأوربيون هذا الملف إلى مجلس الأمن الدولي فالمعروف أنَّ الروس ما عادوا يطيقون تصرفات هذا "الحليف المشاكس" والمتهور وأنهم كانوا قد ضغطوا عليه ليخفّف من تواجده العسكري في دمشق تحديداً تمهيداً لإخراجه من الأراضي السورية كلها.

ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنّ الرئيس فلاديمير قد انتقل بتحالف روسيا من دولة الوليّ الفقيه إلى تركيا "العثمانية" وأنّ رجب طيب أردوغان أصبح الأقرب إليه وإنّ تفاهماً بين الإثنين على تقاسم الـ "كعكة الليبية"و"كعكة" الشرق الأوسط بما ذلك الجزء الشرقي – الشمالي من البحر الأبيض المتوسط حيث ثبت أنه بحيرة نفطية وأنه "مستودعٌ" هائلٌ للغاز وهذا بالإضافة إلى موقعه "الإستراتيجي" بين ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا.

وهنا فإن المؤكد أن الروس, مثلهم مثل غيرهم, باتوا يدركون أن نفوذ إيران في هذه المنطقة، أي في سوريا والعراق ولبنان وأيضاً في اليمن، قد بدأ بالتراجع و"بالتقلّص" وأن نظام الولي الفقيه بات يواجه تحديات داخلية فعلية وذلك إلى حدِّ أنَّ هناك من ذهب بعيداً في هذا المجال وبات يؤكد أن أيام هذا النظام غدتمعدودات وأنه سيخسر، وربما قريباً، تمدّده في هذه الدول العربية المشار إليها وإنه أصبح يعاني من إفلاسٍ إقتصاديٍ جدّيٍ وضاغطٍ إلى جانب إفلاسه السياسي.

ولهذا فإن حلفاءه الروس ما عادوا يراهنون عليه لا بل إنهم باتوا يشعرون أنه أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً عليهم, إنْ في سوريا وإن في العراق وأيضاً إنْ في لبنان واليمن, وحقيقة وإن في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها ولهذا فإن موسكو وللمرة الأولى قد تخلّت عن المجاملات الدبلوماسية وبادرت إلى تحذير هذا الحليف الثقيل الظل والمزعج من الذهاب بـ"تهوّره" بعيداً والإنسحاب من معاهدة الإنتشار النووي.

والمعروف أن العلاقات بين الدول، وأيِّ دول، هي علاقات مصالح وهكذا فإن أغلب الظن، لا بل المؤكد، أن الروس قد أصبحوا على قناعةٍ فعْلية بأن مصالحهم الرئيسية والأساسية و"الإستراتيجية" أيضا لم تعد مع إيران وإنما مع تركيا "العثمانية" ومع رجب طيب أردوغان وحقيقة أنه قد أصبح ثابتاً ومؤكداً أنه أصبح هناك تفاهماً روسياً- تركيّاً على أمور كثيرة إنْ في ما يتعلق بـ "ليبيا" وبـ "قبرص" الشمالية والجنوبية وأيضاً بكل ما يتعلق بهذا الشريط من البحر الأبيض المتوسط الذي ثبت أنه بمثابة مستودعٍ هائلٍ للنفط والغاز وهذا بالإضافة إلى موقعه الإستراتيجي بالنسبة للقارات الثلاث الآنفة الذكر.