منذ نهاية عام 2019 وبداية عام 2020 والاستهدافات الاقتصادية لا تنفك عن تحديد أهدافها لتضرب عصب الاقتصاد في إقليم كوردستان وبشتى الوسائل القانونية، المراد منها بحسب أحادية الحكم والتفسير وغير القانونية بحسب أحادية الصواريخ والمسيرات والحرائق المقصودة أو غير المقصودة في المحال التجارية المهمة في إقليم كوردستان!

لماذا ومن؟
نشأت الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان بقيادة مسرور بارزاني من رحم الخلافات المتجذرة مابين بغداد وأربيل، والتي بدأت منذ عام 2007 بعد أن أهمل الحديث عن أهم المواد الدستورية والتي تخص تنظيم العلاقة ما بين بغداد وأربيل. منها ما يتعلق بالمادة 140 وقانون النفط والغاز ورواتب البيشمركة إضافة إلى خمسين مادة دستورية أخرى كانت قد ركنت أو أهملت أو فسرت من منطلق الأحادية المركزية في تعامل السلطات العراقية التي شكلت بعد عام 2005، ما شكل نوعاً من الاضطهاد دفع بالكورد وقيادتهم للتذكير مراراً بحقوق شعب إقليم كوردستان من جهة والواقع الأساس الذي دخل إليه الكورد طواعية للمشاركة في بناء العراق الفيدرالي الحديث! الذي لم يلب أدنى غايات الطموح الكوردي شعباً وقيادة، ما دفع بالقيادة الكوردية بالتهديد بالانسحاب من العملية السياسية العراقية برمتها، ومنذ عام 2014، بعد أن تحولت شكلية الأحكام الديمقراطية في العراق الحديث إلى مركزية في القرارات تتحدث عن دولة عميقة! لاحقاً، وفيما بعد، بدا واضحاً تفسير حالتها وهي تتمركز في القرارات وتستخدم قوانينها بشهادة دستورية التفسير التي أناطت للاتحادية محكمة (شكلت في عهد حكم بريمر عام 2005) أن تفسر أو تلغي أو تضيف ما تشاء لتضرب بقراراتها الاعراف الأساس التي تشكل عليها مفهوم الشراكة من مبدأ الديمقراطية في حكم العراق الفيدرالي الحديث!

لاحقاً، تحولت تهديدات الكورد بالانسحاب من العملية السياسية إلى واقع خطه تأييد 92 بالمئة من شعب إقليم كوردستان وأحزابه بالمطلق في عملية شهد ويشهد لها القاصي والداني سميت باسم "الاستفتاء" بضمان الدستور العراقي الذي أجاز أحقية الشعب فيما يختار!

بالعودة إلى الشهادة وهي للتاريخ، كنا أعمل عام 2013 مراسلاً لإحدى القنوات الفضائية العراقية، عندما زار المالكي أربيل وكان حينها رئيساً للوزراء، وسألته في مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس مسعود بارزاني عن إمكانية تطبيق الدستور لضمان حقوق الجميع ومنهم الكورد، وأشرت إلى المادة 140 وقانون النفط والغاز وغيرها، وأجاب حينها أنه لا يملك العصا السحرية لكنه سيسخر الإمكانيات ويشكل اللجان التي من شأنها أن تحل العقد!

واستمرت ذات العقد من دون حل كما أشار إليها المالكي وفق الوعود! وفي عام 2015 ولدى تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء، زار أربيل وعقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع الرئيس مسعود بارزاني، وسألته أيضاً عن إمكانية أن تكون هناك حلول وأجاب أن الحلول موجودة وفق الإرادة! ونشرت حينها صحيفة الشرق الأوسط مقالا جاء بعنوان "تفاهمات بين بارزاني والعبادي حول تحرير الموصل وحل الخلافات بين أربيل وبغداد".

يبدو أن من واقع الحديث والشهادة وفق التواريخ التي ما زلت تحفظها وسائل الإعلام (المقروءة والمسموعة والمرئية)... أن حلول الكورد نفذت وان الاستفتاء كان هو الخلاص ليكون الحل الاخير.

تلك الأزمات تختصر الحالة وتختزلها ليعود الكورد بعد عام 2017 إلى بغداد مطالبين بشراكة حقيقة تنصف الحقوق دون تمييز.

تلك العلاقة ظلت متأرجحة تحاول أن تجد طريقها للخلاص نحو الحلول من منطلق حق الشراكة لا شكليتها وتطبيق الدستور لا الاجتزاء منه ومنها إلى التغيرات الوزارية التي شهدها العراق وسلطاته تباعا من عادل عبد المهدي الى الكاظمي إلى السوداني بعد مخاض عسير لتشكيل حكومة توافقية غاب عنها الصدر وما زال.

السوداني ومسرور بارزاني لقاءات ووعود نحو الحلول
حتى اللحظة، وبالرغم من اختزال الحديث في مقالي عن كم المتراكمات من الخلافات مابين حكومات إقليم كوردستان والعراق الفيدرالي، إلا أن ثمة أملاً يحاول من خلاله رئيس الحكومة محمد شيَّاع السوداني أن يجعله حقيقة، ابتدأها منذ توليه الحكومة العراقية رافقه في ذات المسير نحو المشتركات مسرور بارزاني حيث اللقاءات التي جمعتهما وحيث الدعم الذي مازال يتلقاه السوداني من حكومة إقليم كوردستان المؤيدة وبكل قوة لفك ملفات التعقيد المتناسلة... لكن الأخيرة ما زالت تواجه ضغوطاً اقتصادية أحادية من حيث التفسير تدفع بكل قوتها لتعقيد تلك العلاقة ما بين حكومة السوداني والبارزاني ومنها ملف رواتب موظفي إقليم كوردستان الملف الاكثر تعقيداً وهو ما يتعلق بقوت الشعب الكوردي إضافة إلى كم الخلافات التي تنتظر الحلول.

وبالرغم من جملة المشاريع التي حققتها كابينة مسرور بارزاني من مشاريع خدمية تعلقت ببناء السدود المائية والطرق والجسور ودعم الاقتصاد الداخلي والاقتصاد الاخضر في إقليم كوردستان، إضافة إلى توسيع دائرة العلاقات والانفتاح على الخليج والعالم بصورة عامة على أثر المشاركات واللقاءات والتقارب مع بغداد، إلا أنَّ ثمة محاولات تسعى لإجهاض ذلك البناء المتين الذي حققه مسرور بارزاني بظرف عد الاصعب منذ توليه الكابينة التاسعة. منها ما يتعلق باستهداف الاقتصاد في إقليم كوردستان بعد أن طالت الصواريخ والقذائف والمسيرات حقل خورمور أكثر من مرة واستهدفت شخوص رجالات الأعمال كمنزل الشيخ باز عام 2022 ومنزل بيشرو دزيي الذي استشهد وابنته عام 2024، والحرائق المتواصلة في اهم الأسواق والمحال التجارية في العاصمة أربيل ومنها حرائق سوق البالة في أربيل إلى حريق سوق القيصري اليوم وهي خسائر قدرت بملايين الدولارت لتهدد بذلك عصب الاقتصاد في إقليم كوردستان بعد الحصار المالي على إقليم كوردستان والذي ما زال مفروضاً بانتظار الحلول لصرف رواتب الموظفين أسوة بموظفي المحافظات العراقية.